Share

.. وأقول لـ«بابا طاهر»:

نظَّمت هيئة الأدب والنَّشر والتَّرجمة السُّعوديَّة لأوَّل مرَّة في تاريخ المملكة مُسابقة لأدب الأطفال باسم مُسابقة بابا طاهر (في الفترة من 20 يناير إلى 20 أبريل 2022م)، وخصَّصت لها جوائز ماليَّة بقيمة 400,000 ريال، وأُعلن عن أسماء الفائزين في 26 مايو 2022م.

وبهذه المناسبة انفردت «سطور مُضيئة» بتسليط الضَّوء على عدد من الفائزين والمُشاركين في المُسابقة. ضمن سلسلة حلقات ستتناول لمحة تاريخيَّة عنهم، ورحلتهم مع الكتابة، وعن مُشاركتهم في المُسابقة، والنَّتائج التي حقَّقتها، ورسالتهم إلى هيئة الأدب والنَّشر والتَّرجمة، ورؤيتهم لحامل اسم المُسابقة «بابا طاهر» رائد أدب الأطفال في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة.

وفي أُولى حلقات هذه السِّلسلة، سأُسلِّط الضَّوء على الفائزة في مسار الرِّواية القصيرة (فئة الكُتَّاب الكبار)، وهي «رويحة عبد الرَّب» وروايتها «نانْخاطاي».

لمحة تاريخيَّة

تقول رويحة: وُلدت بمستشفى «الكورنيش». بمنطقة الزاهية بـ«أبو ظبي»، عاصمة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة في يوليو عام 1995م لوالدين باكستانيين.

وبحُكم انتقال عمل والدي إلى الرياض، انتقلت أنا ووالدتي معه في منتصف أكتوبر عام 2012م، وأنا في الـ17 من عُمري. واصلتُ دراستي الثَّانويَّة بمدارس منارات الرياض العالميَّة، وتخرجت فيها في يونيو 2014م. وبطلب من والدي انتقلت لمدينة كراتشي لدراسة دبلوم العلوم الشرعية لمدة عام. بعدها عُدتُ إلى الرياض، والتحقت بمعهد تعليم اللُّغة العربيَّة لغير الناطقين بها بجامعة الأميرة نورة في يناير 2016م. ثم التحقت بقسم اللُّغة العربيَّة في كلية الآداب في ذات الجامعة مطلع عام 2017م. وتخرجت فيها بحصولي على شهادة البكالوريوس، وحاليًا أدرس الماجستير في جامعة الملك سعود، تخصص تعليم اللُّغة العربيَّة لغير النَّاطقين بها.

مشواري مع الكتابة والتَّأليف

بدأتُ مُمارسة هوايتي المفضلة (الكتابة) باللُّغة الإنجليزيَّة وأنا في المرحلة الابتدائيَّة، حيث كنت أدرس في مدرسة عالميَّة بـ«أبو ظبي». فلم أكن أجيد التحدث أو الكتابة باللُّغة العربيَّة، وكانت كتاباتي تحظى بثناءٍ من معلماتي، مما زادني حبًّا وتعلقًا بالكتابة والقراءة، حتى أصبحت الكتب والدفاتر والأقلام رُفقاء دربي، ولا تفارق حقيبتي، وأصبحت أحلم بأن أكون كاتبة.

وحينما بلغت المرحلة المتوسطة شاركتُ في مُسابقتين لأدب الأطفال واليافعين، ولم يحالفني الحظ بالفوز بأيٍّ منهما، أو حتى التَّرشيح إلى النهائيات، لكن المشاركة بحدِّ ذاتها كانت إنجازًا بالنسبة إليَّ، وصقلت شخصيتي الكتابية، فاستمررتُ في الكتابة.

وفي عام 2010م بدأت بكتابة يومياتي بين فترة وأخرى على مُدوَّنة شخصية حتى عام 2013م، الذي توقفت فيه بسبب انشغالي بدراستي في المرحلة الثَّانويَّة، واكتفيتُ بالكتابة المتقطعة على حساباتي في «فيسبوك» و«إنستغرام».

وبتخرُّجي في المرحلة الثَّانويَّة والتحاقي بمعهد اللُّغة العربيَّة بجامعة الأميرة نورة، ودراستي لها بطريقة مكثّفة ومنهجية، وجدت نفسي أُمارس هوايتي بالكتابة باللُّغة العربيَّة.

سنحت لي الفرصة لتحقيق حلم الطفولة حينما أجرى المعهد مُسابقة مُصغَّرة في كتابة التقرير الصَّحافي، فشاركت فيها، وفُزتُ بها. فكانت تلك بمثابة الدفعة القوية للانطلاقة نحو تحقيق الحلم، وتحقق لي ذلك في عام 2019م، حينما أصبحت كاتبة محتوى لوكالة تسويق.

وخلال عام واحد من المُمارسة وجدت نفسي أكتب لآلاف القُرَّاء حول العالم على موقع «ثمانية» الإلكتروني، بعدما نشرت في عام 2020م قصة حياتي على الموقع التي جذبت آلاف القُرَّاء والمُعجبين، ومن حينها أعددت نفسي كاتبة صحافيَّة، وأصبحت مقالاتي بالعربيَّة تُنشر للقُرَّاء العرب من كل مكان، وفي غضون ذلك التحقت بجامعة الملك سعود لدراسة ماجستير اللُّغة العربيَّة لغير الناطقين بها.

مُشاركتي في مُسابقة «بابا طاهر»

في أواخر يناير 2022م علمتُ من زميلاتي من خرِّيجات قسم اللُّغة العربيَّة بجامعة الأميرة نورة، عن مُسابقة «بابا طاهر لأدب الأطفال»، فرغبت بالمُشاركة فيها لعلي أحقق حلم طفولتي بالفوز بإحدى مُسابقات قصص الأطفال، ولكنني ترددتُ كثيرًا بسبب انشغالي بالدِّراسة، وعدم ثقتي بأنني سأكتب شيئًا ذا قيمة. واستمر ترددي لأكثر من شهرين، لكن الرغبة في المشاركة أبت أن تُفارقني، وهيمنت على تفكيري.

وفي شهر رمضان الماضي (أبريل 2022) قبل آخر موعد لتقديم المُشاركات بأسابيع، حسمت أمري، وقررت المُشاركة مهما كانت النتيجة، حتى لا أندم على فوات فُرصة المشاركة، فاستعنتُ بصديقة لي كمحررة لروايتي القصيرة، ووضعت معها جدولًا زمنيًّا لأضمن عدم ترددي وتهربي من الكتابة والانتهاء من النص ومُناقشته ومُراجعته معها قبل الموعد النهائي لتسليم المُشاركات. وبحمد الله انتهينا في الوقت المحدد، وعرضت النص على إحدى أساتذتي في جامعة الملك سعود، فتلقيت منها مُلاحظات ومُقترحات لتطوير القصة قبل تسليمها للمُسابقة، فأخذت بها وتقدمت بالرواية قبل إقفال استقبال المُشاركات.

الخطط التي شكّلت الرواية (أجد التخطيط لكتاباتي باللغة الإنجليزية أسهل لي)

كانت مُشاركتي في مسار الرواية القصيرة بمُسابقة «بابا طاهر» عبارة عن رواية قصيرة بعنوان «نانْخاطاي»، وهو اسم بسكوت باكستاني تقليدي مصنوع من دقيق الحمص والسَّمن واللوز.

اخترتُ العنوان لأنه بسكوتي المُفضَّل، كما أنه البسكوت المُفضَّل لبطلة الرواية الطفلة «ضُحى»، ذات الأحد عشر ربيعًا، التي انتقلت في عام 2005م من كراتشي إلى الرياض، لتجد أمامها تحدِّيات وصُعوبات اجتماعيَّة ولغويَّة، بعد أن التحقت بإحدى المدارس العربيَّة؛ إذ أصبحت معزولةً دون صديقات، حتى التقت بالطفلة «شيماء»، التي أصبحت صديقتها الوحيدة، فشجَّعتها على مُواجهة مُشكلاتها، وتعلّم اللُّغة العربيَّة، والتأقلم مع المجتمع المحيط. واستمرت أحداث الرواية حول تطور شخصية «ضُحى» ورحلة تعلُّمها اللُّغة العربيَّة، والصداقة الجميلة التي تنامت مع صديقتها «شيماء» على مدى اثني عشر عامًا، حتى تخرَّجتا في المدرسة في عام 2017م.

استوحيتُ فكرة الروايةُ وحبكتها والكثيرَ من عناصرها من واقع الحياة التي عشتها بين الإمارات وباكستان والسُّعوديَّة، لذا أخذت مسألة الهُويَّة واختلاف الثقافات واللُّغات حيزًا كبيرًا من الرواية، حيث أردت أن أنقل صورة لكيف يبدو منزلٌ باكستاني في الرياض قوقعةً صغيرةً مُختلفةً عن محيطه السُّعودي. فاستحضرت في الرواية من الثقافة الباكستانية «نانخاطاي» البسكوت الباكستاني بطلًا للقصَّة، و«چاند رات» ليلة العيد، وبدلة «غرارة» الحريرية التي ترتديها السيدات في المناسبات الخاصة، وغيرها من عناصر تمثل الثقافة الباكستانية.

ولأن الرواية تدور في مدينة الرياض كان لا بُدَّ من استحضار شيء من الثقافة والتراث المحلي، كالمبخرة، والعود، والقهوة العربيَّة، ومجلة «ماجد»، وحلوى البقرة بتغليفتها البرتقالية. وقد أعطى هذا المزيج بين الثقافتين الباكستانيَّة والسُّعوديَّة نكهة مميزة للرواية.

وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ من خلال هذه الرواية في سد فجوة أشعر أنها موجودة في الأدب العربي المُوجَّه لليافعين، فسعيت إلى أن تكون روايتي عبارة عن أدب عربي أصيل يمثّل اليافع المُسلم والعربي في عصرنا الحالي. فما يقرؤه اليافعون اليوم هو إما أدب للكبار، وإما كتب مترجَمة قد تكون بعيدة عن ثقافتهم.

الفوز بمُسابقة «بابا طاهر»

كم كنت سعيدة بإعلان فوز روايتي «نانْخاطاي» بأول جائزة سعوديَّة لأدب الأطفال لفئة الكُتّاب الكبار، وأكثر ما أسعدني هو أن موضوع روايتي مثَّل ثقافة باكستان، وسلّط الضَّوء على قضيَّة مهمة، وهي مسألة الهُويَّة التي قد يعيشها عديد من الأطفال واليافعين المُقيمين بالمملكة، الذين يرون في هذه الأرض وطنًا لهم على الرغم من اختلاف خلفياتهم الثقافية وجنسياتهم. وآمُلُ أن يكون لهذه القضية حضور في كتب الأطفال العربيَّة، وأن تكون قصة «رويحة» أو «ضُحى» مرآةً لكل طفل يعيش ظروفًا مُشابهة.

الفائزة رويحة عبد الرب تحتفل بفوزها

وأكبر ما جنيته من فوائد من المُشاركة إلى جانب الفوز هو تعلُّم القُدرة على إنجاز مهمة كبيرة في وقت وجيز، والتحمُّس والتطلُّع للفوز مهما كان التحدي ومحدودية الوقت، فلولا تحدِّي ضيق الوقت لَما كنتُ قد أنجزتُ هذه الرواية، وكذلك التشرُّف بالتَّعرُّف على الفائزيَن الآخرَين في المُسابقة، وأنا على يقين بأنني سأستفيد من خبراتهما خلال مسيرتي المُستقبليَّة في مجال الكتابة والنَّشر.

ولا شكَّ أنَّني سأتعلّم الكثير من هذه التَّجربة الجديدة، حيث سأسعى بعد هذا الفوز إلى البحث عن دار نشر ورسَّام للرواية، وفريق أعمل معه على تنقيحها لإصدارها بأجمل حُلَّة، إلى جانب استمراري بالكتابة في المحتوى الرقمي.

ولا بُدَّ من توجيه الشُّكر والعرفان لهيئة الأدب والنَّشر والتَّرجمة على هذه المُبادرة الطيِّبة التي تمثّل خُطوةً مهمَّةً في إثراء أدب الطفل العربي والسُّعودي، التي شجّعت كثيرًا من الكُتّاب الجُدد من أمثالي للخروج إلى عالم القُرَّاء ليُجرِّبوا شيئًا جديدًا. وأتطلّع لرؤية مزيد من الأدباء الجُدد في السنوات المقبلة، لذا أرجو استمرار هذه الجائزة لتصبح مناسبة سنوية، وأن تأخذ الهيئة بأيدي الكتّاب المُبتدئين بدعم ونشر أعمالهم.

وختامًا أقول لـ«بابا طاهر رحمه الله»: «لقد تغيَّرت حياة الطفل المُعاصرة كثيرًا منذ رحيلك. فقد أصبحت مليئةً برغبات وتحدِّيات جديدة إثر ظهور التقنية والإنترنت. وعلى الرغم من كل تلك التَّغيُّرات، لا يزال الطفل بحاجة إلى من يحمل همَّه، وينتقي ويُنشئ له مُحتوى مُناسبًا يُغذّي فكرَهُ وقيَمَهُ كما فعلتَ. أعتزُّ بهذه الجائزة التي تحمل اسمكَ؛ فأنتَ رمز مهم لأدب الطفل السُّعودي. وآمُلُ أن أرى مزيدًا من الأعمال الأدبيَّة التي تسعى إلى إثراء أدب الطفل العربي، وتُحيي ذكراكَ. وأسأل الله أن يغفر لك ويرحمك، وأن يجعل ما نعمله لأجلك شفيعًا لك يوم القيامة؛ لأنك قد تركت قيمًا إنسانيَّةً وبصمةً أدبيَّةً على كل من عاصرك وعايشك، كما قال والدايَ عندما قَرَآ عن أدبك للأطفال المتمثل في برنامجك «ركن الأطفال» ومجلتك «الروضة» بأن هناك تشابهًا كبيرًا بينك وبين الأديب الباكستاني الراحل «حكيم سعيد»، مؤسس أول مجلة للأطفال في باكستان اسمهما «ہمدرد نومہال»، التي تترأسها ابنته الآن».

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 701
Share