بدعوة كريمة من الأخ الصديق العضو المنتدب لشركة الخبير المالية الأستاذ عمّار أحمد شطا تشرفت بزيارته في منزله، حيث كانت أخر مرة التقينا فيها صدفة قبل 15 عاماً في بهو فندق الحياة على ضفاف النيل بالقاهرة في العام 2005م، وكان كلا منا في بدايات انطلاقة جديدة.
تخلل الزيارة استرجاع ذكريات 40 عاماً منذ تعارفنا في مدينة برايتن ببريطانيا في العام 1979م وزياراتي له في لوس انجلس بالولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات أثناء دراسته الجامعية، كما تبادلنا الأحاديث العملية والأدبية وأهديته نسخ من مؤلفاتي فحدثني عن كتاب أُلف عنه بعنوان «مئة تحت الصفر – عمّار أحمد شطا تحولاته ودروسه وعن مستقبل الأجيال» وأهداني نسخة منه وطلب مني قراءته بعناية وابداء رأيي حوله.
طالعت الكتاب وأسعدني كثيراً أن من كتبه هو الأستاذ أحمد حسن مُشرف الذي كان قد حدثني منذ سنوات بحلمه في إطلاق مشروع توثيق خبرات رجال الأعمال الناجحين في المجتمع بدء بالأستاذ عمّار شطا، وأن من قدم للكتاب شخصيتان بارزتان ومتميزتان في المجال الأكاديمي والعملي المرتبط بالاقتصاد والمال والأعمال وهما البروفسور حسين بن محمد علي العلوي «عضو مجلس الشورى وعميد جامعة الأعمال والتكنولوجيا سابقاً». الذي قال في معرض تقديمه للكتاب “..الأيام القادمة لا مكان فيها إلا لمن هو صاحب رؤية، قادر على تحديد أهدافه وطموحاته، ووضع الخطط لتنفيذها، إسهاماً منه في تنمية هذا الوطن”.، وهو سيرة ذاتية “لأحد كبار العصاميين من أبناء مكة المكرمة السيد عمار أحمد شطا”.، كذلك الخبير والكاتب الاقتصادي الدكتور مقبل صالح أحمد الذكير «استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة»، الذي خلص إلى أن الكتاب يصلح أن يقرر على طلاب وطالبات كليات الاقتصاد والإدارة والمالية كمصدر من مصادر القراءات التطبيقية الحرة، ليس في بلادنا فقط بل في أي مكان في العالم، فهو يخص شخصية استثنائية بكل المقاييس تعرف كيف تتخذ قراراتها في كل المواقف.
وبالفعل بعدما انتهيت من قراءته وجدت فيه تجربة نجاح رائدة ومتميزة لأخي عمّار تستحق الإشادة والاعجاب ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العالمي، فقد ذكر فيه أنه نشأ يتيم الأب وبعد حصوله على الشهادة الثانوية درس الهندسة الكهربائية بولاية كاليفورنيا بأمريكا وغير تخصصه في دراسة الماجستير بجامعة جنوب كاليفورنيا من الهندسة الكهربائية إلى التخطيط الاقتصادي، وعاد إلى المملكة بعد التخرج وتنقل في عدة وظائف بدء من البنك الإسلامي للتنمية انتهاء بالبنك الأهلي التجاري، وقرر ترك الوظيفة لصالح العمل الحر رغم معارضة والدته لذلك خوفاً على مستقبله العملي، لكنه أصر على خوض تلك المغامرة وأسس مكتب للاستشارات برأس مال 50,000 ريال. وبعد عدة أشهر من العمل وفق في الحصول على أول صفقة لوضع خطة تمويل لإحدى الشركات، جنى منها مبلغ 500,000 ريال، اشترى منها سيارة والباقي وسع به المكتب وحوله إلى شركة للاستشارات، وبمرور السنين نماها وطورها لتصبح في أوائل عام 2008م شركة مرخصة من هيئة السوق المالية السعودية برئاسته باسم «شركة الخبير المالية»، وإحدى أبرز الشركات المتخصصة في الاستثمارات البديلة برأس مال 260 مليون دولار أمريكي، وبأصول تحت الإدارة تجاوزت 1,2 مليار دولار أمريكي (كما في نهاية العام 2018م)، ثم تخلى عن منصبه كرئيس تنفيذي ليصبح عضواً منتدباً لها، كما أسس شركة «دار المراجعة الشرعية»، وأصبح مستشاراً مالياً معتمداً (CFA)، وعضواً في المجلس الاستشاري لمعهد الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ورئيساً للجنة الاستشارية الدائمة للهيئة العامة للأوقاف، ومحكم مالي معتمد من قبل وزارة العدل السعودية.
كما تضمن الكتاب أطروحات وآراء عمار الفكرية حول الجوانب الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، التربوية، وقوانين العمل، والقيم والمبادئ الأخلاقية التي استمد منها فكره وفلسفته في العمل، ولم يخلوا الكتاب من سرد المآثر الإنسانية في حياته وبعض الذكريات الطريفة التي جمعتنا سوياً.
وحقيقة إن في الكتاب عبرة تنطلق من عنوانه الذي قال عمّار أنه اختاره للتعبير عن الصدمة التي وعى عليها وهو في الـ 9 من عمره وهي وفاة والده السيد أحمد صالح شطا رحمه الله (وزير التجارة في ستينيات القرن الماضي). وإدراكه لاحقاً أن والده الذي كان يملأ اسمه الآفاق مات وهو مديون بمبلغ 100 ألف ريال وهذه هي «المئة تحت الصفر» وكيف أن الله سبحانه وتعالى يهيئ للإنسان منعطفات يختار منها طريقة إما للنجاح أو الفشل.
وادعو كافة رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجالس إدارات الشركات والمؤسسات والجمعيات الأهلية والخيرية وأمنائها والإداريين وطلاب الجامعات وعامة المهتمين بعلوم الإدارة والمال والأعمال أن يقرؤوه فهو يستحق الاطلاع والقراءة، فلقد كان بمثابة إضافة قيمة لي خلصت منها بتحليل وتقييم مسيرة عملي الإدارية ونقد ذاتي للأخطاء الإدارية التي وقعت فيها إبان عملي أميناً عاماً لجمعية إبصار، وكيف قضينا الكثير من وقت عملنا في “الثرثرة” بالمبالغة في الكلام عما أنجزناه في الوقت الذي كان يجب أن يكون كلامنا نقطة في بحر من أعمالنا ومنجزاتنا. وأفضل ما أختم به دردشتي هذه أبيات من لامية الشيخ صلاح الدين بن أيبك الصفدي رحمه الله:
الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَــلِ * * * فانصَبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ
وإنْ أردتَ نَجاحـــــاً أو بـــلوغَ مُنىً * * * فاكتُــمْ أمـــورَكَ عن حـــافٍ ومُنتعــلِ
إنَّ الفتى من بماضي الحَزْمِ مُتَّصفٌ * * * وَمَـــا تعـــوّدَ نقـــصَ القــولِ والعمــلِ
وَلاَ يضيـــعُ ساعـــاتِ الزَّمـــانِ فلنْ * * * يعـــودَ مَــــا فــــاتَ مِنْ أيامــهِ الأولِ
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.