في الوقت الذي كانت جائحة كورونا تعصف بالعالم احتفل في 21 مارس باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري تحت شعار الاعتراف والعدالة والتنمية وهو إحياء لذكرى اليوم الذي أطلقت فيه شرطة شاربفيل بجنوب إفريقيا النار على متظاهرين من السود وقتلت منهم 69 شخصًا شاركوا في مظاهرة سلمية ضد “قوانين المرور” المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري عام 1960م.
وفي هذا العام الذي ركز فيه اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري على استعراض منتصف المدة للعقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي، صدم العالم مساء الخامس والعشرين من مايو بجريمة قتل عنصرية ضد أحد الأمريكيين من أصول أفريقية من قبل رجال شرطة من البيض بمدينة منيابولس بولاية منيسوتا الأمريكية بخنقه حتى الموت على مرأى من المارة الذي شهدوا الحدث وصوره وتناقلوه مباشراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما اثار الذهول والغضب من تلك الجريمة الوحشية فعمت المظاهرات معظم المدن الأمريكية وعدد من العواصم الغربية، مطالبين بتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في الجريمة ومكافحة كافة أشكال التمييز العنصري لدى رجال الشرطة ضد الأمريكيين الأفارقة، وأمام تلك المطالبات قامت السلطات باعتقال افراد الشرطة وتوجيه تهمة القتل إليهم من الدرجة الثانية.
وعلى مدى العشرة أيام الماضية غطت كبرى وسائل الإعلام العالمية تلك الأحداث وقصة الضحية وتفاصيل الجريمة التي حدثت للسيد جورج فلويد ذو الـ 46 ربيعاً حينما قام أفراد من شرطة مدينة منيابولس بولاية منيسوتا بإلقاء القبض عليه إثر استلامهم بلاغ من أحد بائعي متجر “كاب فودز” لمالكه الأمريكي من أصول عربية محمود أبو مياله بأن فلويد دفع له ورقة نقدية مزورة من فئة 20 دولار، فكبلوا يديه وحاولوا إدخاله دورية الشرطة ولكنه امتنع بحجة أنه يعاني من فوبيا الأماكن المغلقة فلم يصدقوه وطرحوه أرضاً وقام أحدهم بالضغط بركبته على عنقه وهو يصيح “لا استطيع التنفس” فحاول بعض المارة تنبيه الشرطي لذلك دون جدوى حتى فقد الوعي وفارق الحياة.
وجاءت حادثة مقتل جورج فلويد في الوقت الذي لا تزال جائحة كورونا تتسبب بأضرار جمة على المجتمعات بما فيهم المجتمع الأمريكي الأعلى تضرراً إذ بلغ إجمالي المصابين حول العالم حتى كتابة مقالي هذا 7,115,557 فرد توفي منهم 406,606:
أمريكا 2,007,613 توفي 112,472
البرازيل 691,962 توفي 37,312
روسيا 476,658 توفي 5,971
اسبانيا 288,630 توفي 27,136
بريطانيا 286,194 توفي 40,542
الهند 258,090 توفي 7,207
وكان السيد فلويد قد انتقل في العام 2018م من مدينته هيوستن إلى منيابلس طلباً للرزق واملاً في تغيير حياته حيث عمل كسائق شاحنة وحارس أمن في أحد المطاعم، ومؤخراً قبل وفاته فقد عمله إثر إجراءات الحجر الصحي التي فرضت في ولاية منيسوتا بسبب جائحة كورونا مما انعكس عليه بآثار اجتماعية سلبية إذ أنه أب لابنتين 6 أعوام و22 عاماً.
والواقع إن التمييز العنصري مشكلة عانا منها المجتمع الأمريكي منذ عقود وذهب ضحيتها العديد من زعماءه التاريخيين من أشهرهم الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن الذي اغتيل في أبريل 1865م بسبب إلغاءه للعبودية ومطالبته بحق السود في التصويت على الانتخابات، والسيدة روزا لويس باركس الأمريكية الأفريقية التي رفضت التّخلي عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض فاعتقلت في ديسمبر 1955م بسبب مخالفتها ومقاومتها لقوانين الفصل العنصري في ألاباما، والداعية الإسلامي الأمريكية الأفريقي مالكوم اكس الذي اغتيل في فبراير 1965م بعد عودته من أداء فريضة الحج ومناداته للمساواة بين أفرد المجتمع، وزعيم الأمريكيين الأفارقة ومؤسس حركة الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كينغ الذي اغتيل في أبريل 1968م بسبب مطالبته إلغاء قوانين الفصل العنصري والمساواة بين البيض والسود.
وفي المقابل استطاع عدد من الأمريكيين الأفارقة الانتصار على التمييز العنصري بنجوميتهم العالمية مثل أسطورة الملاكمة البطل المسلم محمد علي كلاي، وأساطير كرة السلة النجم التاريخي كريم عبد الجبار، ومايكل جوردن ومؤخراً كوبي براينت، وملك البوب مايكل جاكسون الذي أبهر العالم بأغانيه وعروضه الاستعراضية، وغيرهم الكثير في شتى المجالات وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
والحقيقة إن التمييز العنصري هو مرض وسلوك اجتماعي مارسته البشرية منذ القدم وتسبب في التفرقة بين الناس وانتشار الظلم واندلاع الحروب، ولا يزال متفشياً بأشكال مختلفة حتى عصرنا الحالي، وقد وضع الإسلام منهاج وتشريعات لحماية البشرية من ذلك بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، وقوله صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”). رواه الإمام أحمد.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو إلى توخي الحذر من ممارسات العنصرية المتمثلة في التمييز في المعاملة أو النعت أو عدم المصاهرة بسبب اللون أو العرق لمخالفتها الشرعية وما تسببه من كراهية وأضرار اجتماعية بالغة واختم دردشتي بقول الأديب الراحل طاهر زمخشري
لا يعيب السواد صفحة وجـه *** هـي بالـماء ذلـة لا تجود
لا ولا يرفـع البيـاض ذليلاً *** إنما المـرء مـا بنى أو يشـيد
فإذا كـان في السـواد عيوبي *** في صميـم الفؤاد بيض ورود
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.