مواكبة مع حديث الساعة “كورونا” الذي شغل العالم أجمع بما أحدثه حتى كتابة مقالي هذا من إصابة (181,335) توفي منهم (7,130) وشفي (78,332) مصاب، وخسائر تجاوزات مليارات الدولارات.
استوقفني هذا اليوم تصريح رئيس وزراء إيطاليا «جوزيبي كونتي» بقوله “الأسابيع المقبلة ستشهد الخطر الأكبر” وذلك بعد أن حلت بلاده ثاني أعلى دولة إصابة بالفايروس بعد الصين إذ بلغ عدد المصابين بها بمساء يوم الاثنين 16 مارس (27,980) توفي منهم (2,158) في أقل من شهر وهذا ما يعادل 7,70% من إجمالي المصابين وهو ضِعف نسبة المتوفين من المصابين في الصين 3,97%.
وقد يعود ذلك إلى أسباب مختلفة من أهمها التأخر في التعامل مع المرض بجدية منذ بداية تفشيه ونقص الخدمات والكوادر الطبية مقارنة بعدد المصابين مما جعل الأطباء في إيطاليا يعيشون مأساة إنسانية مع الحالات المتكدسة فنقلاً عن الدكتور أحمد نبيل الباحث بقسم الجراحة والسرطان بكلية لندن الإمبراطورية في تغريدات على حسابه في تويتر لأمثلة من معاناة المستشفيات في إيطاليا قال أحد أطباء العناية المركز في مستشفى بمدينة لومباردي الإيطالية “لقد عملت في بريطانيا وإيطاليا وأستراليا، ولا أريد لأحد أن يتصور أن ما يحدث يحدث في دولة من العالم الثالث.
لومباردي هي أكثر المدن الإيطالية تطورًا وبها نظام صحي استثنائي، من الصعب تصور الوضع الحالي، فالأرقام لا توضح الصورة كما هي على الإطلاق.
مستشفياتنا مُنهكة ومُرهقة بسبب مرض الكورونا وهي تعمل بسعة ٢٠٠٪، لقد توقفنا عن كل الأعمال الروتينية في المستشفى.
كل غرف العمليات تم تحويلها إلى غرف عناية مركزة. حتى أنه تم التوقف عن علاج حالات الحوادث والجلطات، أو تحويلها لأماكن أخرى.
لدينا مئات من المرضى الذين يعانون من فشل رئوي حاد وليس لدينا لهم سوى كمامات عادية، ومرضى الأمراض المزمنة من عمر الـ ٦٥ فأقل لا يتم حتى رؤيتهم من قبل أطباء العناية المركز.
أنا لا أقول بأنه لا يتم تنبيبهم (أي وضع أنبوب بلاستيكي في القصبة الهوائية لإبقاء مجرى التنفس مفتوحًا) بل أقول لا يتم رؤيتهم، ولا يوجد طاقم أطباء عناية مركزة لهم حتى عندما تتوقف قلوبهم، أصدقائي الأطباء يتصلون بي وهم يبكون لأنهم يرون الناس يموتون أمامهم ولا يمكنهم فعل شيء سوى إعطائهم الأوكسجين.
بسبب نقص الكوادر صرنا نستعين حتى بأطباء جراحة العظام وأطباء علم الأمراض، أرجوكم توقفوا هنا. اقرؤوا الكلام مجددًا. وتفكروا!، لقد رأينا ذات النمط في عدة أماكن مع فاصل زمني قدره أسابيع. ولا يوجد أي سبب أن نشاهد نفس النمط يتكرر في كل مكان.
النمط: الأول، إصابات قليلة مؤكدة، تطبيق إجراءات احترازية ووقائية بسيطة، الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويستمرون في مناسباتهم الاجتماعية، الجميع يدعو لعدم الهلع.
النمط الثاني: بعض حالات الفشل الرئوي المتوسطة تحتاج إلى تنبيب. حتى الآن كل شيء يبدو رائعًا وبخير.
النمط الثالث: أفواج من المرضى يصيبهم فشل رئوي متوسط تسوء حالتهم مع الوقت حتى يتم ملئ كل غرف العناية المركزة ثم استنزاف جميع أجهزة التنفس وصولا للكمام والأكسجين العادي.
النمط الرابع تبدأ الكوادر الطبية بالإصابة بالمرض فيصبح من الصعب تغطية المناوبات. عدد الوفيات يزداد بحدة بسبب نقص الرعاية.
كل ما تحتاجونه من أساليب لمعالجة المرضى متاح على الإنترنت، لكن الشيء الوحيد الذي سيصنع الفارق هو عدم الخوف من اتخاذ أقصى الإجراءات المشددة لحماية الناس. إذا لم تتخذ الحكومات ذلك، فعليكم أنتم أن تحموا عوائلكم خصوصًا من لديهم أمراض مزمنة.
سلوك آخر شاهدناه كثيرًا أن الناس حينما تقرأ وتسمع هذا الكلام يقولون “نعم الوضع سيء يا صديقي” ثم يخرجون ويتناولون العشاء معاً معتقدين أنهم في مأمن. لقد رأينا نحن هول المشهد. قد يمكنكم تفاديه إذا أخذتموه على محمل الجد. أتمنى ألا يصبح الوضع لديكم بهذا السوء، لكن.. تجهزوا.”
وفي مشهد آخر لطبيب العناية المركزة Daniele Macchini منقول من حساب Silvia Stringhini يقول “الوضع حرب فعليًا، كل شيء يبدو كالحُلم. لم يعد هناك شيء اسمه اختصاصات طبية مختلفة الكل “طبيب” فقط ويخدم في كل مكان. لم يعد هناك “مناوبات” نحن في المستشفى ليل نهار. ترددت كثيرًا في كتابة هذا الكلام. لكني أعتقد أن عدم كتابته هو تصرف غير مسؤول.
تأتينا إصابة جديدة تلو الأخرى بنفس التشخيص؛ التهاب رئوي حاد، التهاب رئوي حاد، التهاب رئوي حاد. جميعهم يحتاجون لدخول المستشفى. الأعداد تتضاعف ولدينا ١٥-٢٠ دخول جديد للمستشفى كل يوم. بالله عليكم أخبروني أي إنفلونزا تلك التي تُسبب هذا المشهد؟
أنا من الأشخاص الذين شكوا بأن الوضع سيكون بهذا السوء. لكني لا أفهم الدراما في احتجاج البعض على تخويف الناس بحجة أنهم لا يريدون لحياتهم اليومية أن تتعطل “مؤقتًا”؟ ما أسوأ ما قد يسببه الذعر؟ ألا تتوفر الكمامات في السوق؟ هل هذا الثمن يستحق الأرواح التي تُزهق والمشهد الذي نعيشه؟
الحرب مستمرة ليل نهار. كوادرنا مُرهقة وأصابنا المرض رغم اتباعنا للبروتوكولات. لم يعد لدينا حياة اجتماعية. أجهزة التنفس في المستشفى أصبحت كالذهب. على الجميع مسؤولية. أرجوكم أوصلوا هذه الرسالة للجميع حتى نمنع حدوث هذا المشهد في أماكن أخرى من إيطاليا”.
وبدوري أنقل رسالة ذلك الطبيب لمجتمعنا حتى لا تتكرر تلك المشاهد المؤلمة في مستشفياتنا فكما قال استشاري طب الأسرة الدكتور سامي الرحيلي في تغريدة على حسابه في تويتر “مصطلح قمة جبل الجليد عند التعامل مع الامراض والاوبئة، هو ما يدفع الحكومات والجهات المختصة للقيام بإجراءات للسيطرة على عدوى المرضى المصابين دون أعراض ويبدون أصحاء، عدم الامتثال والتعاون يؤدي الى مثل قصة التايتنك عندما شاهدوا قمة الجليد واهملوا الجبل أسفل منها”.
وبالعودة إلى المقارنة ما بين الصين وإيطاليا فكلنا نذكر مع ظهور المرض وانتشاره في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي قامت الحكومة الصينية باتخاذ مجموعة من الإجراءات الهامة لمجابهة المرض مستفيدين من تجربتهم السابقة مع فايروس سارس حيث قامت بتشكيل لجنة مركزية برئاسة رئيس الحزب الحاكم، إلغاء احتفالات رأس السنة الصينية وتمديد إجازتها، التزمت بالإعلان بشفافية عن الحالات المصابة وإبلاغ منظمة الصحة العالمية بالمرض، عزل مقاطعة هوبي عن باقي الصين، تعليق الدراسة في كافة مدن الصين، إقالة المسئولين الذي تقاعسوا في التعامل مع المشكلة منذ بدايتها، وضع توقع لعدد المصابين وبناء مستشفى يضم 1000 سرير خلال 8 أيام عمل مع تحويل بعض الملاعب والصالات المغطاة إلى مستشفيات ميدانية، حظر التجول في المناطق الموبوءة وتوظيف التقنيات والذكاء الاصطناعي للمساعدة في توفير الاحتياجات اليومية للسكان مع نشر قرابة 300 مليون كاميرا رقمية لرصد ومتابعة انتشار الوباء.
وبهذا مثلت نموذج عملي للاقتداء به في مجابهة الكورونا وهو أقرب ما يكون للمنهاج النبوي في التعامل مع الأوبئة المعدية حيث ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الطَّاعونُ رِجْزٌ أُرسِل على بني إسرائيلَ أو على مَن قبْلَكم فإذا سمِعْتُم به بأرضٍ فلا تقدَموا عليه وإذا وقَع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فرارًا منه»، والطاعون في معجم لسان العرب «المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان» وفي المعجم الوسيط «داء وَرَمِي وبائي سببه مكروب يصيب الفئران، وتنقله البراغيث إلى فئران أخرى وإلى الإنسان».
ولعل السبب في انتشار الفايروس في أرجاء الكرة الأرضية عندما سارعت الدول في إجلاء رعاياها من مقاطعة هوبي إلى بلدانهم في الوقت الذي كان عليهم البقاء في موطن الداء بدلاً من الفرار منه، وخلاصة القول علينا أن نأخذ المرض على محمل الجد، وألا نستسلم له ليشل حياتنا بالكلية، مع ممارسة حياتنا اليومية بصورة طبيعية وأخذ الحيطة والحذر خصوصاً وأنه لا يعرف على وجه التحديد متى سيتم إيجاد لقاح له، واختم دردشتي هذه بما قاله العلامة جلال الدين السيوطي:
فما الطاعون أفلاك ولا إذ *** مزاج ســـاء أو فسـد الهواء
رسول الله أخبرنا أن هذا *** بوخز الجـن يطعننــا العداء
يسلطهم إلــه الخلـق لمــا *** بهم تفشو المعاصي والزناء
يكون شهادة في أهل خير *** ورجساً للأولى بالشر باؤوا
أتانا كـل هـذا فــي حديث *** صحيح ما بــه ضعف وداء
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.