مع مطلع الأسبوع عدنا بفضل الله إلى فتح النشاط الاقتصادي الكلي كمعظم دول العالم بعد فترة إغلاق دامت لأكثر من 3 أشهر بسبب الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا الذي لا يزال يعصف بدول العالم خصوصاً الأميركتين، إذ بلغ عدد المصابين به حتى الآن 9,436,028 شخص في 213 بلد وإقليم حول العالم أعلاهم إصابة أمريكا بـ 2,440,811 توفي منهم 123,830، البرازيل 1,157,451 توفي 52,951، روسيا 606,881 توفي 8,513، الهند 472,947 توفي 14,906، بريطانيا 306,862 توفي 43,081، اسبانيا 294,166 توفي 28,327، واحتلت المملكة المركز 15 من بين دول العالم بعدد إصابات 167,267 توفي 1,387.
وقد سبب الإغلاق أضراراً اقتصادية للعديد من الدول وقطاعات الأعمال نتج عنها خسائر مالية وتسريح العديد من العاملين من وظائفهم بالإضافة إلى أضرار اجتماعية أخرى، ولتقليص تلك الاضرار والحد منها اتخذت العديد من دول العالم خصوصاً المتقدمة اقتصادياً مجموعة من التدابير والإجراءات على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية ضخت أكثر من 2 ترليون دولار مساعدات تحفيزية تتضمن دفعات نقدية فورية للأمريكيين ذوي الدخل المحدود، ألمانيا 750 مليار يورو لمساعدة الشركات والأشخاص المتضررين من تفشي فيروس «كورونا»، إسبانيا 200 مليار يورو لمساعدة الشركات وحماية العمال والمجموعات الأضعف التي أرهقها انتشار فيروس كورونا، وعلى النطاق المحلي ضخت المملكة العربية السعودية 230 مليار ريال لحماية الوظائف والأعمال، وتخفيف العبء الاقتصادي للأزمة.
وبرغم تلك الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدول فإنه يتوقع أن يدخل العالم في حالة انكماش وكساد اقتصادي بنسب متفاوتة ووقوع فئة من المجتمعات في الفقر بسبب انخفاض مستوى أجورهم أو فقدان وظائفهم حيث أن العديد من الأنشطة التجارية التي تدر عوائد مالية لاقتصادات الدول وتوظف آلاف العاملين مثل السياحة والسفر والترفيهية وما يرتبط بها من أنشطة تجارية أخرى ستحتاج مزيد من الوقت لاستعادة أنشطتها بطاقتها الكاملة وتعويض خسائرها، وقد لا تستطيع ذلك ما لم يظهر لقاح للفيروس، إذ أكد البيان الصحفي للبنك الدولي المنشور على موقعه الإلكتروني في (08/06/2020م) حول تقريره (الآفاق الاقتصادية العالمية – يونيو 2020): “إن الصدمة السريعة والشديدة لجائحة فيروس كورونا وتدابير الإغلاق التي اتخذت لاحتوائها هوت بالاقتصاد العالمي في غمرة انكماش حاد. وطبقا لتوقعات البنك، فإن الاقتصاد العالمي سيشهد انكماشا بنسبة 5.2% هذا العام،..” “وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 4.2%..” ورجح مدير مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية في البنك الدولي «أيهان كوسي» أن يكون الكساد الناجم عن جائحة كورونا أشد كساد الاقتصادات المتقدمة منذ الحرب العالمية الثانية، وينبغي على واضعي السياسات أن يكونوا مستعدين لاستخدام مزيد من التدابير الإضافية لدعم النشاط الاقتصادي. واستناداً إلى ذلك تنبأ خبراء دوليون أن يؤدي فيروس كورونا إلى سقوط 71 مليون شخص حول العالم في براثن الفقر المدقع على أساس خط الفقر الدولي 1,90 دولار للفرد في اليوم. وأما في ظل سيناريو تدهور الأوضاع فسيرتفع هذا العدد إلى 100 مليون.
ولربما تكون تلك التنبؤات والجائحة وآثارها على بعض المجتمعات أشبه بما ذكره ابن خلدون عن «عام الرمادة» الذي روى عنه “أصاب الناس سنة ثمان عشرة قحط شديد وجدب أعقب جوعا بعد العهد بمثله مع طاعون أتى على جميع الناس” والدارس لتلك الحقبة التاريخية سيخلص إلى نتيجة مفادها إن المجتمع قد تجاوز تلك المحنة باللجوء إلى الله والتكافل الاجتماعي واتخاذ الإجراءات الوقائية من الوباء.
ومن هذا المنطلق أرى للتعافي من آثار الجائحة بصور أسرع والوقاية من الوقوع في الفقر علينا أن نقوم بمبادرات اجتماعية وخيرية لمؤزرة بعضنا البعض (شركات، مؤسسات، أفراد) وذلك من خلال:
- إطلاق برامج قروض حسنة صغيرة وميسرة للمتعثرين من الأفراد والمؤسسات لسداد المستحقات المتأخرة عليهم بسبب الإغلاق الاقتصادي (إيجارات، فواتير، رسوم، موردين…الخ).
- قيام ملاك العقارات بإعفاء المستأجرين من 40% على الأقل من قيمة إيجارات فترة الإغلاق وتأجيل وقت السداد لـ 3 أشهر أسوة بالتسهيلات التي قدمتها الدولة لقطاعات الأعمال.
- قيام الموردين بتأجيل تحصيل الدفعات المستحقة من تجار التجزئة لـ 3 أشهر إضافية.
- توجيه برامج الجمعيات الأهلية المدعومة من القطاع الحكومي والخاص لتقديم دعم عاجل لمستفيديها المتضررين من جائحة كورونا.
- تكثيف التوعوية بأهمية التآزر والتكافل الاجتماعي في الأزمات.
وأختم دردشتي بما قاله الشاعر السوري الراحل خليل بن أحمد بك
صنعُ الجميلِ وَفعلُ الخيرِ إِنْ أُثِرا *** أبقى وَأَحمد أَعمال الفتى أَثَرا
بَلْ لستُ أَفهم معنى للحياة سوى *** عن الضعيفِ وإنقاذ الذي عثرا
والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ فهمُ *** كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا
إِنْ كان قلبك لم تعطفه عاطفةٌ *** عَلى المساكين فاستبدلْ به حجرا
هي الإغاثةُ عنوانُ الحياةِ فإِنْ *** فقدتها كنت مَيْتاً بعد ما قبرا
إِن فاتك الخيرُ والإِحسان في بطلٍ *** “حيّى البطولةَ والإِحسانَ في “عمرا” “
“أَمسى “”الخليفة”” يولى مِن معونتِه” *** مَنْ أنشب الجوعُ في أَطفالِها ظفرا
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.