Share

نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2019/08/02م

قبل أكثر من ستين عاماً في مثل هذا اليوم غرة ذو الحجة كان أديبنا الراحل طاهر عبد الرحمن زمخشري -رحمه الله – يعيش آلام وحرقة ومرارة البعد عن مسقط رأسه مكة المكرمة إذ روى لأبنته ابتسام «كنت في مصر تلك الايام مشغول بطباعة أحد دواويني الشعرية وكنت في دعوة لتناول طعام الغذاء عند المذيعة الاستاذة همت مصطفي وعند بداية الطعام قالت همت يا جماعة كل سنة وأنتم طيبين لقد أعُلن في السعودية اليوم غرة شهر ذي الحجة. في تلك اللحظة شعرت بغصة وألم استأذنت وخرجت مهرولاً إلى الشارع أمشي في الطرقات ولا أدرى الي أين، أنا تعودت أن أكون دايم في الجبال المقدسة في مكة الكرمة، ولا أدرى إلا وأنا في حديقة الحيوانات، أذرف الدمع السخين وكتبت يا ابنتي تلك القصيدة بدموع ساخنة وحرقة لأنني بعيد عن مكة، ولارتباطي مع المطبعة لم أستطيع السفر».
وبهذه المناسبة كُتب تلك القصيدة الشعرية التي تعد أحد أهم وأجمل القصائد الوطنية في عصرنا الحديث وصنفها البعض خطاء من القصائد الدينية، فهي في الواقع تعبر عن الشوق والحنين للوطن بصفة عامة ومكة المكرمة بصفة خاصة، فقد قال فيها كل الكلمات النابضة من القلب في 24 بيت شعري، اسماها «إلى المروتين» ونشرها في ديوانه الرابع «أغاريد الصحراء» الذي أصدره في 1378هـ / 1958م، وأعتبر النقاد أحد أهم الظواهر الابداعية في شعر طاهر الزمخشري إذا قال عنها أ.د عبد الله باقازي: «اعتمدت قصيدة: «إلى المروتين» أنموذجاً شعرياً تحققت من خلاله كل المظاهر الشعرية في شعره.. كانت قصيدة «إلى المروتين» – في رأيي – هي قصيدة الاغتراب ومحاولة الوصول إلى «التوازن النفسي» في رحلة الاغتراب المرضية.. كانت الدلالات الثنائية التي تفوقت على الدلالات المفردة تومئ إلى محاولة «التوازن» التي كان الزمخشري يقوم بها….».
وعلى ما أعتقد أن قصيدة «إلى المروتين» كانت من أحب القصائد إليه خصوصاً بعد أن حولها صديقه الحميم الموسيقار طارق عبد الحكيم- رحمه الله – إلى أغنية أذيعت لأول مرة بمناسبة موسم الحج حيث ذكر الزمخشري ضمن ذكرياته: «إن أكبر ما أعتز به في مشواري الفني هي اغنية “إلى المروتين” فقد استمعت اليها من أكثر من 15 إذاعة عربية، ورغم مرور 27 عام إلا أنني لا ازال اسمعها في أكثر من 40 محطة إذاعية»، وعن قصة غنائها أورد «إنه في خمسينيات القرن العشرين، ومع تأسيس الإذاعة السعودية، جاء الموسيقار طارق عبد الحكيم وفرقته الموسيقية لتسجيل موسيقات صامته للإذاعة حيث لم يكن هناك سوى موسيقات غربية. وبينما كنت أجلس معه، كان في يدي ديوان “اغاريد الصحراء” فاطلع عليه وإذ به يلتقط قصيدة “أهيم بروحي على الرابية” ومنها أخذها ولحنها وغناها».
وكان الموسيقار طارق عبد الحكيم قد اختار من القصيدة 12 بيتاً ولحنها على الدانة الحجازية وغناها بإحساس عالي رقيق عكس من خلاله مشاعر شوق وحنين طاهر زمخشري لمكة وشجونه لبعده عنها خصوصاً في موسم الحج. وإن كان بعض النقاد قد اعتقد أن لحن الأغنية يعود في الأساس إلى فنان الحجاز الشريف هاشم العبدلي قبل نحو مائة عام.

وعلى أي حال لاقت الاغنية بلحنها وادائها نجاح منقطع النظير ولسنوات طويلة اعتادت الإذاعة السعودية إذاعتها خصوصاً في موسم الحج وقبل سنوات أعاد تسجيلها الفنان الجسيس محمد أمان – رحمه الله – وأرى أن الحاجة الفنية في وقتنا الحالي تستدعي مبادرة الفنانين المتمكنين لتحديثها خصوصاً وأن المواسم والمناسبات الوطنية والدينية تحتاج مثل هذه الأعمال الخالدة. وفيما يلي كلمات الاغنية المشتقة من القصيدة.
أهيِمُ بروحي على الرابِيَـهْ
وعند «المطـافِ»، وفــي «المروتَيْن»
وأهفو إلى ذِكَرٍ غاليهْ
لدى «البَيْتِ» «والِخيـفِ» والأخْشَبَيْن
فأُهدرُ دمعِي بآماقيهْ
ويَجْـري لظاها على الوجنَتْين
ويصرخ شوقي بأَعْماقيهْ
فأرسِل من مُقْلتي دمعتَيْن
أهيِم وفي خاطري التائِه
رُؤَى بلدِ مشرقِ الجـــــــانبيْن
يطوف خيالي بأنحائه
ليقطع فيه ولو خطوتين
أُمَرِّغُ خدِّي ببطحائه
وأَلمسُ منه الثَّرَى باليـدين
وأُلقي الرِّحَال بأفيائه
وأَطْبَع في أرضه قُبلتين
أهيِم، وللطير في غُصْنهِ
نواح يُزغرد في المسمَعيْن
فيشدو الفؤادُ على لَحْنهِ
ورَجْعُ الصدَى يملأ الخافقين
فتجري البـــوادرُ من مُزْنِهِ
وتُبْقـي على طَرْفِه عَبْرَتَين
تُعيدُ النشيدَ إلى أُذْنهِ
حنيناً وشوقاً إلى «المـروتين»

رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 32
Share