في هذه الليلة المباركة من شهر رمضان المبارك أسدل الستار على هذه النافذة الأدبية “كلام رمضان” التي طللت عليكم منها خلال الشهر الفضيل للموسم الثالث على التوالي بمواضيع ارتبطت بشهر رمضان المبارك لهذا العام (سينجينتا نموذج للمسئولية الاجتماعية في الأزمات، يا ضمير الإنسان.. إنها غادة ذات الإعاقة البصرية، مينيابوليس بين رمضان وذكرى من حياتي).
وبما أننا في أواخر ليالي الشهر الفضيل التي نستعد فيها للاحتفال بعيد الفطر المبارك الذي يأتي في ظروف صعبة ومعاناة لبعض مجتمعاتنا الإسلامية بسبب ارتفاع معدل الفقر والبطالة والأسعار. أدعو الله العلي القدير أن يرفع عنهم تلك المعاناة والمصاعب وأن ينعم عليهم والأمة الإسلامية جمعاء من واسع فضله وكرمه. ويعيده على الجميع بالأمن والأمان والسلامة في الأوطان لنحييه ونحتفل به ونحن في أحسن حال.
كنت قد انتقدت في مقالي «كلام رمضان: ذكرى فتح بلاد الأندلس 22/05/2020» تراجع أهم الأحداث التاريخية الرمضانية في البرامج والمسلسلات الرمضانية ومنها «فتح بلاد الأندلس» الذي صنع فارقُا تاريخيُا للحضارة الإنسانية في العالم، بدأ بـ «معركة وادي لكة» التي وقعت في 28 رمضان 92هـ بقيادة القائد الإسلامي الفذ «طارق بن زياد» وانتهت بانتصار المسلمين.
وقد سعدت هذا العام بأن المسلسل الرمضاني الرئيسي الذي عرضته القناة الأولى المغربية، تلفزيونات الكويت والسعودية وقطر والشارقة والظفرة وتلفزيون سلام ليبيا. هو قصة «فتح الأندلس» وهو مسلسل تاريخي درامي من 30 حلقة يحكى قصة القائد الإسلامي طارق بن زياد خلال رحلة الفتح الإسلامي للأندلس في الفترة التاريخية بين (89هـ وحتى 96هـ / 709م وحتى 715م) أثناء ولاية موسى بن نصير في عهد الدولة الأموية، وأهم الصعوبات والمعوقات التي واجهته لتحقيق هذا الفتح ضمن فترة التحضير لعبور البحر من أجل فتح بلاد الأندلس. واشترك في كتابة قصة المسلسل كل من الكتاب السوريين محمد اليساري، إبراهيم كوكي، صالح السلفي. والكاتبين المصريين صابر أحمد، وأبو المكارم محمد، بالإضافة إلى الكاتب الكويتي مدين الرشيدي. وأخرجه المخرج الكويتي محمد سامي العنزي.
وانتجته شركة المها للإنتاج الفني بكلفة تجاوزت 3 ملايين دولار أمريكي، وتم تصويره بين مدينتي بيروت بلبنان وماردين بتركيا.
ولعب دور البطولة سهيل جباعي في دور (طارق بن زياد)، تيسير إدريس (الملك لوذريق)، عاكف نجم (أبو بصير)، رفيق علي أحمد (موسى بن نصير)، عدي رعد (الوليد بن عبد الملك) محمود خليلي (جوليان)، هشام بهلول (شداد)، بمشاركة أكثر من 250 ممثلًا وممثلة من جميع الدول العربية من بينهم جيني إسبر، روبين عيسى، بيار داغر، منى شداد، حامد الضبعان، فائق عرقسوسي، مالك محمد، محمد العجيمي.
وما لفت انتباهي هو ردود الفعل السلبية التي أثارها المسلسل بين رواد التواصل الاجتماعي والنخب في بلاد المغرب العربي خصوصًا الجزائريين والمغربين الذين انتقدوه بأنه يتضمن مغالطات تاريخية حول هذا الحدث التاريخي الهام، وأصول وشخصية بطل الفتح القائد طارق بن زياد وإظهاره في صورة باهتة وضعيفة. وأن لباس الشخصيات والمباني لا تعكس اللباس والعمران الأمازيغي في تلك المرحلة التاريخية. ووصل الأمر إلى حد مناقشته في البرلمان المغربي. ورفع دعوى قضائية للمطالبة بوقف بثه على القناة الأولى المغربية لدى المحكمة الابتدائية بالرباط التي أصدرت حكمها يوم الجمعة (2022/04/22م) “بعدم الاختصاص”.
ورأى الناقد الفني مصطفى الطالب في حديث مع شبكة الجزيرة نت “الجدل الدائر حول مسلسل “فتح الأندلس” مبالغ فيه لأنه وصل حد تجريم هذا العمل الدرامي والمطالبة بتوقيف بثه. وأن صناع هذا العمل الفني تساهلوا في التعامل مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمجتمعات المغاربية وخاصة المعطى الأمازيغي الذي لعب دورا كبيرا في الفتوحات الإسلامية.
وأثر هذا التساهل على التعامل مع المشاهد الخارجية وأماكن التصوير، فمدينة طنجة التي كانت منطلقا للفتح ليست كما تظهر في المسلسل والشخصيات المغربية ليست كذلك بسبب اللباس، ويضيف الطالب أنه كان على المخرج أن يصور بعض مشاهده في المغرب لإعطاء شيء من الواقعية لعمله الدرامي.
وفي نظره فالرؤية الفنية حاولت تغليب المبادئ في عمومياتها من دون الدخول في التفاصيل، كما غلّبت الطابع السياسي للوقائع والأحداث آنذاك على التدقيق التاريخي، لذلك تم التركيز على النص وعلى الحوار الذي يبرز هذا الجانب السياسي والفكري لمجتمعين مختلفين: المجتمع الإسلامي والمجتمع المسيحي. ومع ذلك، يعتقد أن المسلسل فيه مجهود فني متميز، ويجمع بين مدرستين فنيتين لهما باع في الدراما التاريخية: المدرسة التركية التي تعتمد الإيقاع السريع والحركية والمناظر الخارجية الجذابة والتركيز على بهاء العمران. والمدرسة الإيرانية العريقة التي تركز على الرمزية والشاعرية في المشاهد والإعلاء من شأن الشخصيات التاريخية أو الدينية.
ويؤكد أن مسلسل “فتح الأندلس” يعتبر اجتهادا ومحاولة فنية للتعامل مع محطة من المحطات المشرقة للتاريخ الإسلامي هي فتح الأندلس، وحاول إبراز الدور العظيم الذي قام به القائد المسلم طارق بن زياد في هذا الفتح”.
وقال مخرج المسلسل العنزي في حديث لأحد البرامج الإعلامية موضحًا موقفه من أصول طارق بن زياد في المسلسل “التاريخ فيه وجهة نظر وهناك 3 روايات حول أصول طارق بن زياد: رواية تتحدث عن أصل فارسي وأخرى عن أصل عربي وثالثة أنه من شمال أفريقيا”. وأن “فريق العمل رأى أن هناك أمورا أهم من أصول طارق بن زياد وهي الفتح الإسلامي ومنهج المسلمين في التعامل مع المخالف والجهاد المعتدل وغيرها من القضايا”.
والحقيقة إنني فوجئت بما أثاره المسلسل من ردود فعل على شبكات التواصل الاجتماعي خصوصُا بين النخب في الوقت الذي تعاني فيه العديد من المجتمعات العربية والإسلامية من نقص في الغذاء واضطراب في موارد خبزها من قمح وغيره نتيجة للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وما ترتب عليها من إضرار بالأمن الغذائي العالمي.
وبرأيي أن أكثر ما يستحق الانتقاد هو عدم تصوير المسلسل في مواقع الأحداث الحقيقية كبلاد المغرب العربي وجبل طارق واسبانيا، وإيراد قصة حرق طارق بن زياد للسفن التي ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي، باستثناء ما تناقلناه من حكايات عنها في صغرنا غير موثقة.
وعلى أي حال أرى أن عودة إنتاج المسلسلات التاريخية الرمضانية إلى شاشاتنا الفضائية هام جدًا خصوصًا الأحداث التي غابت عنا وعن أجيالنا الناشئة لفترة طويلة ومنها فتح بلاد الأندلس الذي بدأ في أواخر رمضان. واستمر فيها الحكم الإسلامي بعد الفتح 8 قرون ازدهرت فيها العلوم وتطورت بشتى أنواعها ولمع فيها العديد من العلماء الذين أثروا الحضارة الإنسانية في شتى المجالات من أشهرهم الفقيه العلامة والأديب «الإمام ابن حزم الأندلسي»، والفقيه الفيلسوف وقاضي القضاة في زمانه «ابن رشد»، والفقيه والمحدث والمفسر «الإمام القرطبي»، وعالم الصيدلة «ابن البيطار»، وجامع علوم الشعر والرياضيات والفلك، والفيزياء والكيمياء والفلسفة «عباس بن فرناس» الذي قاد العالم لفكرة الطيران، وشاعرة الأندلس عائشة القرطبية. وغيرهم الكثير.
كما أجد أنه من اللطيف أن تنتج التلفزيونات برامج ثقافية وترفيهية تعرض أنشطة المجتمعات العربية والإسلامية في مثل هذه الليالي وعاداتها وتقاليدها في الاستعدادات للعيد مثل انشغال الأسر بالتسوق والتنظيفات المنزلية وتجديد الأثاث، وما يواكبها من مواقف اجتماعية طريفة. وتجهيز حلويات ومأكولات العيد بشتى أصنافها. ومظاهر البدء في نصب بسطات لوازم العيد والحلويات وألعاب الأطفال والمراجيح في الأسواق والحواري بالإضافة إلى تخزين الأولاد للمفرقعات والطراطيع بجميع أنواعها استعدادًا لإشعالها خلال احتفالات العيد. وتجهيز مصليات العيد في الأماكن العامة. وتسليط الضوء على المتغيرات التي طرأت على تلك العادات.
الرابط المختصر لهذا المقال:
بعيداً عن الملاحظات والمآخذ التي سجلت على المسلسل ، هذا المقال جدا جميل، اكتملت فيه أركان الجمال والمعرفة التي يفترض أن يتناولها كل كاتب حين يشرع في الكتابة، ومما أضاف على هذا الجمال بعداٍ أخر من الجمال، أنه اشتمل على جوانب تثقيفية متخصصة، احتضنت فيه المتعة والفائدة، هو من أجمل المقالات التي استمتعت بقراءتها، وكل مقالاتك فيها من الجمال والتشويق ما يجعلها على قائمة المقالات الهادفة التي يستنفع منها ادبياً ومعلوماتياً