Share

منذ عام بدأت بالكتابة عن جائحة كورونا بمقال بعنوان «الكورونا بين الصين وإيطاليا وكيف نجابهه» في 16/03/2020م https://garbnews.net/articles/s/4447 حينها كانت الجائحة في بداية انتشارها بإصابة 181,335 توفي منهم (7,130) وشفي (78,332) مصاب. وتابعت الكتابة عنها على مدى 9 أشهر بـ 31 مقال تناولت مواضيع مختلفة عن الجائحة طبية، اجتماعية، علمية، تعليمية، انسانية، اقتصادية مع رصد أسبوعي لإحصائيات الجائحة حول العالم (الإصابات/الوفيات) وأعلى ستة دول تضرراً. وما سجلته المملكة العربية السعودية، والتطرق للتحديات التي واجهت (احتفاليات المناسبات الدولية، وذوي الإعاقة والأنشطة الاقتصادية والخيرية وكوارث الطيران وقصص إنسانية أخرى).

ومع الوصول للقاحات فيروس كورونا (كوفيد-19) وبدء الدول في وضع الخطط لحملات التطعيم بإعطاء الأولية في اللقاحات للعاملين في مجال الرعاية الصحية والمقيمين في مرافق الرعاية طويلة الأجل والذين يتوقع أن العديد منهم يصنفون ضمن فئة الأشخاص ذوي الإعاقة، توقفت تدريجياً عن الكتابة عنها.

وما لفت انتباهي هو غياب الإتيان على أي ذكر لقطاع الطيران المدني ضمن أوليات إعطاء اللقاحات والذين يتوقع أن عددهم بلغ وفق منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) 10مليون رجل وامرأة. أو أي ذكر لما قاموا به من أدوار أو تضحيات خلال الجائحة، رغم أهمية الدور الذي قاموا به لضمان الإمداد العالمي بالأدوية واللقاحات والمعونة الإنسانية وغير ذلك من السلع الحيوية. فراجعت كل ما كتبته عن الجائحة ووجدت أنني تناولت الدور الفعال الذي لعبته الكوادر (الطبية، الرياضيين، الفنانين، عمال النظافة، النبغاء، الأثرياء) في مواجهة الجائحة. وغفلت عن دور العاملين في مجال الطيران المدني من طيارين ومضيفين والعمال الأرضيين المساندين لهم. فأجريت بحثاً عما كتب عن دورهم في الجائحة وكل ما وجدته هو أخبار عن تسريحهم من أعمالهم بسبب الخسائر التي تكبدها قطاع الطيران نتيجة الجائحة.

فبدأت أتمعن في دورهم وما قاموا به خلال الجائحة فوجدت أنهم يستحقون أن يطلق عليهم “فرسان الجو في زمن الجائحة” فقد لعبوا دور هام جداً في الحد من الآثار الإنسانية والاجتماعية والطبية والاقتصادية وساهموا بإيصال المنتجات والأدوية اللازمة من وإلى الدول المحتاجة وقدموا تضحيات إنسانية أدت ببعضهم لفقدان حياتهم اثناء نقلهم أشخاص لبلدانهم تقطعت بهم السبل بسبب الجائحة كطاقم رحلة الخطوط الهندية «air india express» في رحلتها «IX-1344» (07 أغسطس 2020م) الذين فقدوا حياتهم في الطائرة التي كانت تقل 160 راكباً كانوا عالقين في دبي بسبب جائحة كورونا بعد انزلاقها من مدرج مطار كاليكوت بالهند وسقوطها في وادي وتحطمها ومصرع 162 من ركابها وطاقمها.

أو اضطرار بعضهم للسفر وترك أسرهم المصابين بالعدوى وانشغال فكرهم بهم اثناء الطيران مثل طياري رحلة الخطوط الباكستانية (PIA) رقم 320 (22 مايو 2020م) اللذين تأثرا نفسياً بإصابة عدد من ذويهم بالعدوى فانشغلا بالحديث عنهم خلال الهبوط مما أدى إلى ارتكابهما خطأ بشري نتج عنه ارتطام الطائرة بمباني سكنية بكراتشي ومصرع 97 شخص بمن فيهم الطاقم.

ومن قبلهما طاقم رحلة الخطوط الأوكرانية «PS752» على طائرتها «بوينغ 737» (8 يناير 2020م) التي تحطمت بعيد إقلاعها من مطار طهران في طريقها إلى مطار كييف. ولقي جميع من كان عليها من ملاحين وركاب مصرعهم

كما أن طبيعة عمل طاقم الطائرة لا يخلو من خطر الإصابة بالعدوى بسبب صعوبة التباعد الجسدي المطلوب في حالات التواجد في قمرة القيادة، أو اجراء اسعافات أولية في حالات التنفس الاصطناعي أو أي اسعافات أخرى تستدعي الملامسة المباشرة. ولا يعرف كم من طواقم الطائرات أو المساندين الارضيين قد أصيبوا بالعدوى أثناء تأدية عملهم.

والواقع إن طبيعة عمل الملاحين الجويين تستدعي التضحية الإنسانية مهما كانت الظروف والمخاطر، فعلى سبيل المثال استحضر من ذاكرتي ابان عملي كملاح جوي في العام 1985م كنا في طريقنا من جدة إلى نيويورك على رحلة الخطوط السعودية (021) على طائرة بوينج «368-B747» أصيبت مسافرة بارتفاع شديد في درجة الحرارة على الرحلة كادت تفقدها حياتها. فاستعنا بطبيب على الرحلة، فشخصها بأنها تعاني من الحمى الشوكية (التهاب السحايا المعدي) مما استدعانا على الفور لعزلها في مطبخ الطائرة، وتكميدها بالثلج واعطاها الطبيب حقنة لخفض حرارتها دون الاكتراث بالعدوى التي قد تصيبنا من أجل انقاذ حياتها، وهبطنا اضطرارياً في مطار أثينا لنقلها إلى المستشفى، ثم واصلنا رحلتنا إلى نيويورك، وعندما وصلنا تم حجرنا جميعاً في الطائرة لساعات واعطائنا لقاح مضاد للحمى الشوكية قبل مغادرتنا للطائرة.

والآن وقد اصابت الجائحة 136,159,923 في 219 بلد وإقليم حول العالم توفي منهم 2,941,490 أعلاها أمريكا بـ 31,869,996 إصابة توفي منهم 575,595، البرازيل 13,445,006 توفي 351,469، الهند 13,358,805 توفي 169,305، فرنسا 5,023,785 توفي 98,602، روسيا 4,641,390 توفي 102,986، بريطانيا 4,368,045 توفي 127,080 وسجلت المملكة العربية السعودية 398,435 حاله توفي منهم 6,754 وشفي منهم 383,321.

أدعو لإعطاء أولوية اللقاحات لعامة الملاحين وطواقم عمل المطارات. وتكريم اللذين قدموا منهم تضحيات إنسانية خلال الجائحة. مع اجراء البحوث والدراسات لأنجع الوسائل في تمكين الملاحين من القيام بأي إجراءات اسعافات أولية على الطائرات متى ما لزم مع توفر شروط الإجراءات الاحترازية اللازمة للحماية من العدوى.

واختم دردشتي هذه بلطيف ما قاله الأديب طاهر زمخشري رحمه الله في قصيدته «في الطائرة» “إلى الصديق..؟ الذي وجد نفسه طبيباً فأخذ يعالج الدوار الذي قعد بالمضيفة عن أداء عملها في الطائرة..!!”

عاشت يمينك يا آسي مضيفتنا           إن الدواء الذي قدمتَ عطَّارُ

لما تهادت أفاضت من بشاشتها          ما كان يرجوه ركاب وطيار

في جوف طير بلا ساق ولا قدم          ولكنه في مدار النجم سيار

قالو «فلبينية» للشرق نسبتها             وليس بدعا فكم في الشرق أقمار

مخارج الحروف فيها لكنة عجب         في حلو منطقها نور ونوار

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 31
Share