كما جرت العادة بأن أطل عليكم في مثل هذا الوقت من كل عام. عبر هذه النافذة «كلام رمضان» بمواضيع عامة مرتبطة بشهر رمضان المبارك. والتي أبدئها في عامها الثالث بتهنئتكم بالشهر الكريم والدعاء بأن يتقبل الله من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال. وأن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات.
وكما توقعت في مقالي «روسيا وأوكرانيا وحروب القرن بين الوعي والإنسانية 2022/03/03م». بأن رمضان هذا العام سيشهد ارتفاعًا غير مسبوقًا في أسعار المواد الغذائية نتيجة للحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا.
وبالفعل هل الشهر الكريم بارتفاع ملحوظ في الأسعار وانخفاض في المخزون الغذائي في معظم الدول العربية والإسلامية. الأمر الذي تناولته معظم وسائل الإعلام وسلطت الضوء على أثره على الموائد الرمضانية في تلك المجتمعات. بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية خصوصًا الدقيق والزيت التي ارتفعت إلى معدلات قياسية بلغت 100% في بعض الدول. وهم من أهم مكونات الموائد الرمضانية في عالمنا.
فضلا عن الارتفاع الذي شهده سعر زيت دوار الشمس الذي قفز بنسبة 64% خلال أسبوع واحد في نهاية (مارس 2022م). حيث إن روسيا وأوكرانيا يمثلان أكثر من 80% من صادرته العالمية.
ما شكل ضغط هائلًا على جيوب المستهلكين خلال الأيام الأولى من الشهر الكريم. وأثر على توفر الغذاء للأسر الفقيرة في العديد من الدول العربية. فعلى سبيل المثال المواطنة اللبنانية منى العمشة التي تعيش مع أطفالها الثلاثة بحي فقير في العاصمة بيروت. قالت لوكالة رويترز «في 2021، حين كانت الأسعار مرتفعة بالفعل. كنت أستخدم الزيت نفسه في طهو عدة أطباق. والآن لم يعد بمقدوري حتى فعل ذلك» وأضافت «لا أستطيع حتى إعداد طبق من البطاطا المقلية لأطفالي».
في ظل غياب أي معلومات تشير إلى وجود مبادرات. من قبل التجار أو الشركات العربية والإسلامية العاملة في مجال استيراد وبيع المواد الغذائية. تخفف من وطأة ارتفاع الأسعار وتيسر على المستهلكين الحصول عليها. خصوصًا وأن العالم كان يواجه ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية الأساسية وتزايد الجوع حتى من قبل اندلاع الحرب.
وفي هذا السياق لفت انتباهي ما نقلته صحيفة الاقتصادية السعودية في مقالها (تهديدات ثلاثية تواجه الأمن الغذائي العالمي.. ارتفاع الأسعار ونقص الأسمدة وخسارة الإنتاج – الجمعة 1 أبريل 2022م). عن مجموعة سينجينتا السويسرية للبذور والمبيدات (syngenta group). بأن الأمن الغذائي يواجه تهديدات خطيرة بسبب مزيج من ارتفاع الأسعار ونقص الأسمدة وخسارة محتملة للإنتاج بسبب الحرب في أوكرانيا..
ولمعالجة الوضع الناجم حاليًا عن الحرب قامت سينجينتا مع بداية الأزمة. بممارسة نشاطها التجاري دون اهداف ربحية من أجل توفير البذور ومنتجات حماية المحاصيل للمزارعين في المنطقة. من أجل إنتاج الغذاء. وتوفير المدخلات الزراعية التي تشتد الحاجة إليها عبر البيع بالأجل. مع ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد..
وقالت الشركة أن السلع التي تشحنها لم تعد مؤمنة ضد الخسائر. وأنها تتحمل هذه المخاطر العالية بوعي. وتعتقد أن هذا هو ما يصح عمله.. حيث ان (روسيا وأوكرانيا) يعتبران سلة الخبز الأوروبية… ونحو 400 مليون شخص يعتمدون عليهما للحصول على الغذاء. نظرًا لدور البلدين المهم في سلسلة التوريد الغذائية العالمية. ويمثل كل من البلدين أقل من 2 في المائة. من مبيعات الشركة العملاقة السويسرية سينجينتا.
فتساءلت ألم يكن حريًا بتجارنا وشركاتنا العربية والإسلامية. أن تكون لها مبادرات مماثلة في هذه الظروف الاستثنائية. بجعل نشاطها التجاري خلال الشهر الكريم 0% أرباح. من باب البر والإحسان والجهاد بالمال. كما قال تعالى ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (التوبة:41). من أجل مساعدة الفقراء والمساكين ودفع الحركة الاقتصادية.
ولا يفوتوني في هذا السياق. أن أنوه بأنه حري أيضَا بالمستهلكين أن يراعوا ظروف انخفاض المخزون الغذائي. وارتفاع الأسعار. باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى ترشيد التسوق للموائد الرمضانية. من خلال التسوق بموجب قائمة معدة مسبقا بدلا من التسوق بعشوائية. وأن يكون التسوق ليلًا بدلا من النهار حيث إن الإنسان وهو جائع قد يشتري أكثر من حاجته. وانتقاء السلع الأقل سعرًا بدلا من المنتجات ذات العلامات التجارية الأغلى. مع الاستفادة من قسائم وكوبونات التخفيض والعروض الخاصة. والاكتفاء بشراء المواد بكميات قدر الاحتياج اليومي أو الأسبوعي على الأكثر.
والأهم من ذلك كله هو الحد من الهدر الغذائي الناجم من عادات وتقاليد موائدنا الرمضانية.
الرابط المختصر لهذا المقال:
كل عام وانتم بخير استاذ محمد وجميع المسلمين. لا شك انها مبادرة جيدة تستحق المماثلة. ولكن الغريب في الأمر ألا يكون في الدول العربية والإسلامية ما يكفي من الزراعة التي تفي محاصيلها باحتياجات شعوبها والشعوب الشقيقة على الأقل. على الرغم من كون العديد منها ذات اراض خصبة وموارد مائية كافية. أما على الصعيد الفردي فالاعتدال وعدم الإسراف أولى باتباعه في هذا الشهر عملا بما يقرأه المسلم من أوامر ربانية في القرآن الكريم حتى تتجسد العبادة سلوكا كما يفترض.