Share

احتفل العالم بيوم الموسيقى العالمي (الاثنين 21 يونيو 2021م) الذي يتزامن سنويًا مع أول يوم لدخول فصل الصيف. وهو يوم خصص للاحتفال بالموسيقى أيًا كان نوعها ومدى تأثيرها على حياة الناس. بهدف تشجيع الموسيقيين الهواة والمحترفين على العزف والغناء في الشوارع، وملئ المناطق العامة بالموسيقى الحية، وصناعة الموسيقى التشاركية بين العازفين، وجعل جميع أنواع الموسيقى في متناول الجمهور من خلال تنظيم العديد من الحفلات الموسيقية المجانية على مدار اليوم.

وكانت أول احتفالية للموسيقى قد أقيمت في باريس عام 1982 تحت اسم Fête de la Musique أو اصنع موسيقى ليتحول بعدها هذا الاحتفاء بالموسيقى إلى ظاهرة عالمية. ويعود الفضل في ذلك إلى كلا من جاك لانج وزير الثقافة الفرنسي السابق، وموريس فلوريه مدير قسم الموسيقى والرقص الراحل في وزارة الثقافة الفرنسية. الذي كان لديه قناعة هي “موسيقى في كل مكان، وحفل في أي مكان”.

وقد احتفلت به هذا العام أكثر من 700 مدينة في 120 دولة حول العالم منها فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، الهند، ألمانيا، اليابان، الصين، روسيا، البرازيل، بيرو، المكسيك، اليونان، الإكوادور.

ولوحظ محدودية احتفال وزارات الثقافة والمجتمعات العربية بهذا اليوم رغم أن العرب وموسيقاهم هم أساس من قدم للعالم فنون وعلوم الموسيقى وآلاتها، فقد قال الجاحظ: “الموسيقى كانت بنظر الفرس أدبًا وبنظر الروم فلسفة، أما بنظر العرب فأصبحت علمًا”. وكان «سعيد بن مسجح المَكيّ» الذي شهد العهد الأموي أول من وضع السلم الموسيقي.

وأورد المؤرخ محمد يوسف طرابلسي في كتابه (جدة.. حكاية مدينة) قول استاذ الاسبانية بجامعة كابمريدج المهتم بتاريخ الموسيقى الاسبانية «جون براندي تريند» المولود في أواخر القرن التاسع عشر “إن كثيرًا من الآلات الموسيقية وردت إلى اسبانيا ومنها إلى أوربا على ايد المسلمين ولا يزال اسمها عربيًا. فالعود والقيثارة والربابة لا زالت أسماءها عربية. كما يوجد آلات أسماؤها مشتقة من الأسماء العربية”.

والواقع إن الموسيقى أحد الأدوات الجمالية والتربوية والثقافية التي تعمل على تقريب الشعوب والتواصل فيما بينهم. فقد قال عنها الموسيقار السعودي طارق عبد الحكيم – رحمه الله – “الموسيقى فن يجمع بين تشعُّبات العلوم الصحيحة وبين دروب الإِبداع الفكري والفني، ويتميز عنها جميعًا بأنه فن العقل والعاطفة، وفن التعبير الجماعي عند مختلف الشعوب، وفن الخصوصية والشمول في نفس الوقت”. واعتبرها الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه مقياسًا لمستوى حضارة الشعوب بقوله “إذا أردت الحكم على مستوى شعب ما فاستمع إلى موسيقاه”.

وقد أدرك العالم في عصرنا أهمية الموسيقى وضرورة الاحتفاء بها واختار منها “موسيقى الجاز” التي حددت لها منظمة اليونسكو يوما دوليًا للاحتفال بها في 30 أبريل من كل عام اعترافًا بقوة هذه الموسيقى من أجل السلام والحوار والتفاهم المتبادل، وقالت عنها نجمة الجاز الراحلة «نينا سيمون» “إن موسيقى الجاز موسيقى ليست مجرّد عادية، بل هي طريقة حياة وطريقة وجود وطريقة تفكير”. ومع ذلك أيضا لم تحظ احتفالية اليوم الدولي لموسيقى الجاز بالاهتمام العربي رغم ارتباط جذورها بعالمنا عبر القارة الأفريقية.

والحقيقة إن الموسيقى في عصرنا لا تقتصر على أنها مجرد فن للتقريب بين الشعوب، بل أحد أهم الموارد الاقتصادية الهامة غير المستثمرة في علمنا العربي كما يجب إذ أظهر تقرير الموسيقى العالمي الصادر عن الاتحاد الدولي للصناعة الفونوغرافية «IFPI» في 26/03/2021م أن إجمالي إيرادات صناعة الموسيقى للعام 2020م في أعلى 10 دول (الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، كوريا الجنوبية، الصين، كندا، استراليا، هولندا)، قد بلغ 21.6 مليار دولار أمريكي، ويلاحظ أن القائمة لم تضم أي دولة عربية ولعل ذلك يعود إلى عدم انتشار الموسيقى العربية عالميًا، وعدم وجود فنانين عرب يتقنون أداء فن الجاز بأداء عالمي باستثناء الفنانة القديرة فيروز والموسيقار عمر خيرت وقليل أخرون هنا وهناك.

ولابد من التنويه والإشادة بإدراك وزارة الثقافة السعودية بأهمية الموسيقى بتأسيسها هيئة للموسيقى السعودية برئاسة الأكاديمية والموسيقية جهاد الخالدي. لتطوير القطاع الموسيقي في المملكة من خلال دعم الأفراد والمؤسسات والشركات الموسيقية، وتشجيع إنتاج وتطوير المحتوى، بالإضافة إلى المهام التنظيمية والتشريعية المتعددة المتعلقة ببناء منظومة القطاع وبيئته الداعمة للحراك الموسيقي المحلي بما يضمن تأهيل المواهب وتمكينها، وتوفير برامج تدريبية وتشجيع التمويل والاستثمار.

وأرى أن تنطلق هذه الخطوة من الجذور والاصالة للموسيقى السعودية حتى تحتفظ بهويتها كواجهة حضارية للمجتمع، بتكوين فرقة أو فرقتين وطنية تضم عازفي بوقيات ووتريات وإيقاعات وآلات كهربائية والكترونية بالإضافة إلى البيانو بالاستعانة بالعازفين العسكريين المتقاعدين لإلمامهم بالنوتة الموسيقية وتنوع تخصصاتهم أسوة بما قام به الأديب طاهر زمخشري والموسيقار طارق عبد الحكيم رحمهما الله عند تكوينهم أول فرقة نظامية للإذاعة في خمسينيات القرن الميلادي التي بها انطلقت وتطورت الموسيقى السعودية المعاصرة، الاستعانة بمؤلفي الموسيقى لكتابة الفنون والفلكلور الموسيقي الموروث في بلادنا لتحويلها إلى معزوفات موسيقية عالمية، إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية عن الموسيقى أسوة بالبرنامج الذي أعده وقدمه الموسيقار غازي علي للإذاعة السعودية في سبعينيات القرن الماضي لتثقيف الجمهور بالموسيقى المحلية والعالمية، كتابة السير الذاتية لرواد الموسيقى السعوديين الأحياء منهم والأموات للاستفادة من تجاربهم وإلهام الهواة بهم كالموسيقار مطلق الذيابي، عمر كدرس، سامي إحسان، سراج عمر، محمد شفيق رحمهم الله بالإضافة إلى الموسيقار غازي علي، عبده مزيد…الخ، وإنشاء معاهد لتعليم الموسيقى في عامة مدن المملكة مع إضافة برامج لتطوير الكوادر المساندة للصناعة الموسيقية مثل الهندسة الصوتية، البرمجة والمزج، الانتاج والإخراج والترويج والتسويق. واختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدة «عازف العود» للدكتور محمود السيد الدغيم

دَنْدِنْ!! فَعُوْدُكَ طَيْرٌ بَيْنَ أَطْيَاْرِ

يُشَنِّفُ السَّمْعَ!! جَلَّتْ قُدْرَةُ الْبَاْرِيْ

فَصَاْرَ لَحْنُكَ إِنْشَاْداً لأَفْئِدَةٍ

هَاْجَتْ؛ وَمَاْجَتْ عَلَىْ أَلْحَاْنِ أَوْتَاْرِ

كَأَنَّهُ جَوْقَةٌ طَاْبَتْ مَعَاْزِفُهَاْ

فِيْ لَيْلَةٍ ذَاْتِ أَنْغَاْمٍ وَأَنْوَاْرِ

لَوْ أَنَّ زِرْيَاْبَ وَاْفَاْنَاْ؛ وَجَاْلَسَنَاْ

لَقَبَّلَ الْعُوْدَ جّهْراً دُوْنَ إِسْرَاْرِ

وَقَاْلَ – لِلنَّاْسِ – أَقْوَاْلاً مُمَوْسَقَةً

لِلْعَاْزِفِيْنَ عَلَىْ عُوْدٍ وَغِيْتَاْرِ

يَاْ أَيُّهَا النَّاْسُ!! هَذَا الْعَزْفُ؛ فَاسْتَرِقُوْا

سَمْعَ الْمَقَاْمَاْتِ مِنْ ذَا الْجَدْوَلِ الْجَاْرِيْ

فَفِي التَّقَاْسِيْمِ إِحْيَاْءٌ لِمَكْرُمَةٍ

كَاْدَتْ تَمُوْتُ بِعَهْدِ الذُّلِ وَالْعَاْرِ

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 53
Share