لفت انتباهي إعلان فيديو للجزء الثاني من مسلسل «العاصوف» الذي تبثه حصرياً قناة MBC للعام الثاني على التوالي، إذ ركز الإعلان على قصة «حادثة جهيمان» مما اعطاني انطباع أن المسلسل سيتناول على مدى حلقاته تلك القصة بتفاصيلها، فترقبت عرض ذلك المسلسل لاهتمامي بجزئيات من قصة «حادثة جهيمان» ضمنتها في الجزء الثالث من كتابي «رحلتي عبر السنين» وكتابي «أغاني بابا طاهر».
ومع بدء عرض المسلسل الذي تصدر بطولته الفنان السعودي ناصر القصبي لاحظت أنه تناول قصة «جهيمان» في ثلاث حلقات فقط على عكس ما توقعت، حيث سلط الضوء على أبطال القصة الذين تصادف تواجدهم في الحرم منذ اقتحام جهيمان وجماعته للحرم المكي وحدوث هرج ومرج واحتجازهم للمصلين والطلب منهم مبايعة من زعم أنه المهدي المنتظر وتبادل إطلاق النار مع قوات الأمن على مدى أسبوعين، إلى أن تم اقتحام الحرم من قبل السلطات وتحرير المحتجزين والقاء القبض على جهيمان وجماعته.
وبرأيي أن مؤلف الرواية عبد الرحمن الوابلي أو مخرجه المثنى صبح غاب عنهم جانب فني مرتبط بالدراما الواقعية والوثائقية وهي تضمين التفاعلات الاجتماعية والإنسانية الخارجية التي واكبت الحدث في تلك الفترة وبعدها وكان لها بالغ الأثر مثل دور الإعلام، الصحافة، الأدباء والشعراء خصوصاً من أهالي مكة، فكان من المفروض أن تطعم القصة بشيء من الأعمال الفنية أو الأدبية المرتبطة بالحدث آنذاك لإضفاء واقعية أكبر على القصة خصوصاً وأن ذلك الحدث كان جللاً لم يسبق مثيله في التاريخ من حيث انتهاك حرمة المسجد الحرام وسفك دماء برئية على مدى أسبوعين.
وقد يحتاج الجيل الحالي الذي لم يعرف عن تلك الحادثة إلا من خلال المسلسل الاطلاع على نماذج من الحراك الأدبي والفكري الذي واكب تلك الحادثة وساهم في توعية وتنوير المجتمع وحمايته من الانجرار وراء ذلك الفكر الضال.
ووجدت أنه من المناسب أن أعرض نموذج لدور الأدباء والمفكرين من خلال مقتطفات من قصيدة «في رحاب الإيمان» للأديب المكي الشاعر طاهر زمخشري التي نظمها من 67 بيتاً ونشرها في ديوانه «عبير الذكريات» الذي أصدره في 27/07/1400هـ بعد 6 أشهر من تلك الحادثة ومهرها بـ: «بمناسبة الاعتداء على المصلين في المسجد الحرام في غرة محرم الحرام سنة 1400هـ من الفئة الضالة «جهيمان وجماعته». تناول فيها وصفاً للحرم المكي ومكانته في وجدانه وقلوب المسلمين بصفة عامة والمكيين بصفة خاصة، وتوثيق ووصف ما دار من أحداث وكيف انتهت وأثرها على المجتمع، مع تضمين رأيه حيالها وحيال كل من ارتبط بها، وما جاء فيها:
القداسات في الدروب أضاءت بمصابيح من هدى الفرقان
والضلالات قد تهاوت وأبقت خلفها الباقيات عقد جمان
لا بكاء فالعين تأنف أن تغسل جرحاً أصابها من جبان
أشعل النار في الدماء فكانت لحد من قد أصيب بالهذيان
وتخطى الفسوق والكفر والإلحاد حتى عبادة الأوثان
أين ينجو من الحصار الذي قامت عليه كتائب الشجعان
يا رحاب الهدى ويا منزل الوحي ويا أقدس الربى والمغاني
كان فجراً به التباشير تكبير طروب الصدى ندي البيان
كان صبحاً به الأغاريد تسبيح يجوب الآماد للآذان
يا رحاب الإيمان يا مهبط الوحي ويا شدو كل خافق ولسان
القداسات لم تدنس ولكن عبث من سفاهة الصبيان
فقدوا الرشد والصواب فماذا بعد فقد الرشاد من خذلان
أشهروا الغدر في وجوه المصلين ومدوا الشراك بالعدوان
أرادوا كذباً فاخزاهم الله ونالوا جزاءهم في ثوان
زعموا أنهم دعاة إلى الله وزيف الدعي للخسران
فرية حاكها الجناة فكانت لهم معبراً إلى النيران
فلك الحمد يا كريم العطايا يا سخي الهبات بالغفران
أنت أدرى بما اقترفنا وإنا لا نبالي مغبة العصيان
أنت أكرمتنا بخير جوار كيف لا نزدهي على الأكوان
فلك الحمد قد حفظت رحاباً نحن في ظلها من الجيران
وحماة الذمار في الحرم الآمن طافوا باكؤس ودنان
التهاني بها سلاف انتصار احرزوه على الأثيم الجاني
والتحيات للأولى بذلوا الأرواح زفت لجنة الرضوان
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.