Share

عندما نشرت مقالي اللواء محمد طارق الإفريقي “النمر الأسود” 50 عامًا من الإنجازات العسكرية والأدبية. وإيضاحي عدم صلة القرابة بينه وبين الشيخ عبد الرحمن الأفريقي، أثنى بعض القراء على ذلك الإيضاح، وطالبوني بالكتابة عن الشيخ الأفريقي وإنجازاته ودوره الدعوي.

فوجدتها فرصة مناسبة أن أسلط الضوء في هذه السطور المضيئة على جانب من سيرته العطرة التي زانها العلم والحلم، وتعدد المنجزات، وذلك لتعريف النشء الجديد به وبمنجزاته وتخليدًا لذكراه حيث إنه كان أحد علماء ومدرسي المسجد النبوي الشريف، ومدرسة دار الحديث بالمدينة المنورة، والمعهد العلمي وكلية العلوم الشرعية (جامعة الإمام محمد بن سعود حاليًا) بالرياض، ومن محدثي مسجد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بالرياض.

وقد استندت في ذلك إلى المحاضرة التي ألقاها فضيلة الشيخ عمر بن محمد فلاته (أمين عام الجامعة الإسلامية الأسبق) -رحمه الله- بقاعة المحاضرات بالجامعة الإسلامية في الموسم الثقافي لعام 1397-1398هـ. والمنشورة على موقع موسوعة الآجري. وإلى الدراسة التي أجراها د. محمد بن عمر محمد فُلاَّته (أستاذ أصول التربية الإسلامية المساعد بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) بعنوان (جهود المحدث المدني الشيخ عبدالرحمن بن يوسف الإفريقي في التعليم في العهد السعودي) والمنشورة في العدد (49) من مجلة بحوث المدينة المنورة ودراساتها (1441هـ-2020م).

مولده ونشأته:

ولد العلامة الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن تيتي بن هاسي بن كنقو الإفريقي -رحمه الله- في العام 1326هـ-1905م بقرية “فَفَا – fafa” الواقعة غرب دولة “مالي” على مقربة من حدود بوركينا فاسو والنيجر لأبوين تعود أصولهما لقبائل الفلاني أو الفلان المنحدرة من سلالة التابعي عقبة بن نافع الفهري القرشي (رضي الله عنه) الملقب بفاتح إفريقية. وكانا قد رزقا بالكثير من الأبناء لم يعش منهم غير شيخنا عبد الرحمن وأخيه الأكبر.

وفي تلك الأثناء كانت حروب الغزو الفرنسي الغاشم لجمهورية مالي قد وضعت أوزارها وأصبحت البلاد وأهلها العزل تحت الحكم الاستعماري الفرنسي الذي فرض سلطته عليهم قهرًا وحولهم إلى حالة من البؤس والبلاء.

في غضون ذلك نشأ شيخنا الأفريقي وترعرع في كنف أبيه الذي كان من أمراء وحكام تلك المنطقة، فأهتم به كثيرًا وبتعليمه رغم تلك الظروف البائسة التي كان يعيشها الأهالي نتيجة ذلك الاستعمار الغاشم، والحقه بكُتَّاب القرية الأهلي الذي حفظ فيه سور من القرآن الكريم وتعلم بعض الأحكام من الكتب الفقهية المتداولة على يد شيخ الكُتَّاب الملقب بـ «ألفا» بمتابعة وإشراف من والده الذي كان محبًا للعلم والعلماء.

ثم التحق بمدرسة القرية الابتدائية، وبما أظهره من نجابة، اختاره مشرفي التعليم بحكومة المستعمر الفرنسي للانضمام إلى المعهد الفرنسي بمدينة (أنسنغو) حيث أكمل دراسته المتوسطة والثانوية بتفوق، ونال شهادته الثانوية في العام 1342هـ-1922م وهو في السادسة عشرة من عمره، بعد أن أتقن فيها اللغة الفرنسية إلى جانب لغته الفلانية والعربية.

ونظرًا لتخرجه بتفوق وما أظهره من نجابه عين معيد في المعهد معلمًا للغة الفرنسية واستمر في ذلك لمدة ثلاث سنوات. ثم انتقل للعمل في العاصمة باماكو كموظف في مصلحة الأرصاد الجوية، ولم تمضِ عدة أشهر حتى رُقي إلى وظيفة سكرتير المصلحة. وهكذا حظي بمكانة وظيفية مرموقة في مرحلة مبكرة من حياته فلمع نجمه بين اقرانه في ظل ذلك الحكم الاستعماري.

هجرته إلى بلاد الحرمين الشريفين:

برغم تلك المكانة والحياة العصرية التي أصبح يعيشها إلا أنه لم تغب عن ذاكرته جذوره الدينية وصور قريته التي ترعرع فيها مع أترابه بمجتمعها المتدين وعاداتهم وتقاليدهم.

حيث استثاره في أحد الأيام مديره الفرنسي بحديثه ورأيه عن الإسلام وواقع المسلمين في البلاد. واصفًا الإسلام بالجمود والتخلف وأنه دين لا يصلح للعالم، وتعاليمه لا تهذب النفوس ومكبلة للحريات، وتدعو إلى الوهم والخيالات. مدعيًا إن هذا هو سبب دخول الأوربيين لبلادهم من أجل إسعادهم، وانتشالهم من التخلف. مستشهدًا بادعاءات المبشرين التي كادوا بها على الإسلام والمسلمين.

فوجد نفسه عاجزًا عن الرد على تلك الادعاءات والاتهامات، وما زاد من حرقته هو إدراكه بأن حصيلته العلمية لن تسعفه أو تمكنه من الرد والدفاع عن دينه وأهله، فكل ما كان لديه من علم هو سور من القرآن الكريم، وشيء من النحو، وأشعار في المديح النبوي ورسائل من فقه الأمام مالك. ومن شدة غيرته على دينه وغضبه من المستعمرين وافتراءاتهم على دينه وأهله، استنجد بعلماء قريته ليزودوه بالحجج للرد على مديره، لكن ما حصل عليه لم يكن مقنعًا بما يكفي فخاب أمله.

فقرر الرحيل إلى بلاد الحرمين مع قوافل الحجيج لأداء مناسك الحج والتزود بالعلم ليعود متسلح بالحجج التي تمكنه من دحض ادعاءات واتهامات المستعمرين ومبشريهم على الإسلام.
وهكذا شد الرحال بمعية مئات من المهاجرين في رحلة شابها الكثير من المخاطر والحروب مع المستعمرين حتى وصل مع من نجا إلى مكة المكرمة في العام ١٣٤٥هـ بلطف الله وما أتاه من بسطة في الجسم، فأدى مناسك الحج والعمرة ثم قصد المدينة المنورة لزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- والالتحاق بحِلق العلم ومن ثم العودة إلى بلاده متسلحًا بالعلم والحُجج.

قرار البقاء في المدينة المنورة:

وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف التحق بحلقه علم أحد أشهر علماء المدينة المنورة من بني عشيرته المحدث العلامة المسنِد الشيخ سعيد بن صديق الفُلًاني -رحمه الله-، بالمسجد النبوي الشريف فدرس على يديه لنحو خمس سنوات القرآن الكريم وشيئًا من كتب الفقه المالكي كمتن العشماوي، والأخضري، وابن عاشر والأزهرية وشيئًا من شروحها، ومتن الرسالة وبعض شروحها، والعقيدة السلفية، وكتاب الأربعين النووية، والمختارة من الأحاديث للهاشمي، وكتاب بلوغ المرام.

في غضون ذلك ظن أنه نال من العلم ما يهيئه لمقارعة ما يكيده المستعمرون من ادعاءات واتهامات للإسلام وأهله، فضلًا عن حنينه لوطنه فاستأذن شيخه في العودة إلى البلاد بعد أدائه للحجة الثانية.

وفي طريق عودته توقف في جدة وزار أحد مشايخها من عشيرته في مجلسه ودار بينهم نقاش علمي حول مسألة فقهية فتقدم الشيخ الأفريقي مدليًا بدلوه بكل ما حفظه من نصوص وأحاديث بشأن المسألة، فرد عليه الشيخ بلطف قائلا “يا بني إن هذه المسألة ورد فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف النصوص التي ذكرت، ويدل على غير ما قرأت”، وقرأ عليه الحديث.

فقال الأفريقي متسائلا: إذاً، علام خالفت المتون هذا الحديث؟! فأجابه الشيخ: “يا بني، إن جميع المتون وكل الكتب تابعة لأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما سمعت ما قال الإمام مالك، وهو يرد فتوى سمعها عن أمير المؤمنين عمر: “كل كلام فيه مقبول ومردود سوى كلام صاحب هذا القبر وأشار إلى حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله تعالى يقول (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر)”. (النساء: 59).

هنا أدرك أنه لا يزال في حاجة إلى المزيد والمزيد من العلم وقال في نفسه “إذا كان ما تحصلت عليه لا يقنع مسلم ليعود عما هو عليه، فلأن أعجز عن إقناع الملحد المعاند من باب أولى”.

وقرر العدول عن العودة إلى بلاده وبديلا عن ذلك العودة إلى المدينة المنورة للتقوى في دراسة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فودع رفاقه وقال لهم “بلغوا عني أنني لن أعود إلى البلاد حتى يأذن الله، وغربة عن الأوطان في سبيل العلم والمعرفة خير من إقامة سعيدة بالأوطان على جهل وتبعية” وعاد إلى شيخه الفُلًاني بالمدينة المنورة الذي سر بعودته، وأنزله منزلة كريمة، وخصّص له أوقاتًا مكثفة لتلقي العلم في منزله والمسجد النبوي الشريف، واتخذه تلميذه الخاص يصطحبه معه في عموم مجالس العلماء، للانتفاع بعلمهم وأحاديثهم.

التحاقه بمدرسة دار الحديث:

وفي العام 1350هـ دعاه شيخه الفُلًاني للالتحاق بـ “مدرسة دار الحديث” التي افتتحها آنذاك العلامة المحدث الشيخ أحمد بن محمد الدهلوي -رحمه الله- لتدريس الحديث النبوي وعلومه على أوسع نطاق لتخريج أجيال ضليعة في علوم الحديث الشريف شأنها شأن مدارس الحديث في الهند آنذاك. فرأى في ذلك منيته ومراده لا سيما أن شيخه الفُلًاني وكوكبة من علماء ومدرسي المسجد النبوي الشريف سيكونون من مدرسيها.

فالتحق بها وأخذ ينهل من علم الصحاح والسنن، ومصطلح الحديث والفقه وأصولهما، وعلوم الآلة. ويبحر بين ثنايا مكتبتها قارئ كتابا تلو الآخر. الأمر الذي لفت انتباه وإعجاب مؤسس الدار الشيخ الدهلوي، فأولاه عناية واهتمامًا وصار يشرف عليه ويرشده إلى المراجع وينمي فيه ملكة البحث والمطالعة.

فاستفاد من ذلك إيما استفادة، إذ تعمق في علوم الحديث التي استولت على قلبه حتى اشتهر بين شيوخه وزملائه بـ “رجل الحديث” و “المحدث”. ⁠وكان من أوائل الخريجين من مرحلتها العالية في العام 1356هـ

ولم يكتفِ بما كان يتعلمه في مدرسة دار الحديث فقط، بل راح يتردد على حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف حتى ارتقى بعلمه ليصبح في العام 1360هـ/1941م أحد مدرسي المسجد النبوي الشريف، ومن ثم مدرسًا في مدرسة دار الحديث عام 1364هـ/1945م، ثم مديرًا وناظرًا لها وأسند إليه الشيخ الدهلوي الإشراف على بناء المجمع الوقفي للمدرسة.

وفي غضون ذلك لازم جُلة من علماء المسجد النَّبوي الشَّريف ودار الحديث، من بينهم الشيخ محمد هاشم الفُوتِي (ألفا هاشم)، وشيخ شيوخ المدينة محمد الطيب الأنصاري، والشيخ يونس بن نوح الإفريقي، وإمام المسجد النَّبوي الشيخ صالح الزغيبي، والشيخ محمد بن علي شويل، وقرأ على زميله الشيخ محمد بن علي الحركان النحو والصرف.

وكانت حلقته قريبة من خوخة الصديق في الجهة الغربية من المسجد النبوي الشريف، درَّس فيها الكتب الستة، وموطأ الإمام مالك، ونيل الأوطار، وسبل السلام، ورياض الصالحين، وبلوغ المرام، ونظم البيقونية في مصطلح الحديث وغيرها من الكتب الإسلامية النافعة. يوميًا من بعد صلاة المغرب إلى العشاء باستثناء يومي الاثنين والجمعة.

كما كانت في تلك الأثناء داره مقصدًا للزوار والحجيج الأفارقة، فيقدم لهم دروس من علمه بلغاتهم أو بالفرنسية التي كان يجيدها.

فذاع صيته ومكانته العلمية وحظي بثقة الدولة والعلماء حتى أن الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود -طيَّب الله ثراه– اختاره للدعوة إلى الله في جميع قرى ينبع النخل داعيةً متجولًا. للوعظ والإرشاد، ومكث فيها نحو ثمانية أشهر. ومن ثم اختاره في العام 1370هـ ليكون مدرسًا في المعهد العلمي بالرياض، ثم في كلية العلوم الشرعية بعد افتتاحها في العام 1373ه/1953م، -علاوة على ذلك- تقديمه لدروس في مسجد سماحة مفتي عام المملكة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله–. وخلال إقامته في الرياض كان يقضي إجازاته الصيفة بالمدينة المنورة يشرف فيها على أعمال دار الحديث، ويواصل تدريسه بالمسجد النبوي الشريف. وأصبح واحد من علماء المملكة العربية السعودية وترد إليه الاستفتاءات من جميع أنحاء العالم الإسلامي للإفتاء فيها.

وفاته وآثاره:

وفي العام 1377ه أصيب بمرض عضال فأرسلته الدولة إلى لبنان للعلاج وتفاقمت حالته الصحية حتى وافته المنية في ليلة الثلاثاء 1377/03/28هـ ودفن فيها.

بعد مسيرة 32 عامًا من طلب العلم والتدريس والدعوة إلى الله خلف فيها إرث علمي وعدة مؤلفات منها (الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية)، و(توضيح الحج والعمرة كما جاء في الكتاب والسنة)، ورسالة (جواب الإفريقي)، وهي رسالة لطيفة أجاب فيها على سبع عشرة مسألة وردت إليه من بلاد مليبار الهندية عام 1366هـ.

غلافي كتاب الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية وتوضح الحج والعمرة كما جاء في السنة للعلامة الشيخ عبد الرحمن الأفريقي -رحمه الله-

وورث علمه لكوكبة من العلماء الذين تتلمذوا على يديه منهم: أعضاء هيئة كبار العلماء الشيخ راشد بن صالح بن خنين، والشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق آل غديان، والمحدث الشيخ عمر بن محمد فلاتة (أمين عام الجامعة الإسلامية)، والشيخ عطية بن محمد سالم (قاضي محكمة التمييز بالمدينة المنورة)، والشيخ حامد بن أبي بكر بن حسين فلاتة (الكُتُبِي) (وكيل مدرسة دار الحديث)، والشيخ علي بن محمد سنان والشيخ عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن العباد آل بدر (المدرسين بالمسجد النبوي الشريف والجامعة الإسلامية)، والشيخ عبد الصمد بن محمد الكاتب والشيخ محمد بن سليمان الأشقر (عضوي هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية)، وغيرهم الكثير رحم الله الأحياء والأموات منهم.

فضلًا عن سيرة عطرة وصفات حميدة زانت سمرة وجهه البشوش المتلألئ كما وصفه تلميذه الخاص الشيخ عمر بن محمد فلاتة الذي قال عنه إنه كان “لين العريكة، حريصًا في جميع شؤونه أن يسير سير المُصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان في منتهى الذكاء واللباقة، شجاع في الحق، صبورًا على الأذى في سبيل الله، حكيمًا في أحاديثه، أديبًا في مجلسه، لطيفًا في أسلوبه، سهلًا في تعليمه ومعاملته، مشجعًا للمجدين من طُلابه فضلا عن جوده، وكرمه، وطيبته، وحسن طويته، وحُبُّه إسداء الخير للمُحتاج، وكان معلم بارع، ومصلح وهب نفسه وفكره، وأذوى ناضر شبابه، وسلخ عمره في مجال الخير. مثيرًا طلابه على ملازمة الطاعة والعبادة، عزيزًا في نفسه، ويغرس بذور العزة والكرامة في نفوسهم.

وكثيرًا ما سُمع يتمثل بأبيات العلامة الذهبي رحمة الله عليه:

أهل الحديث عصابة الحق

فازوا بدعوة سيد الخلق

فوجدوهم لألاء ناضرة

لألاءها كفالق البرق

إشارة إلى الحديث الصحيح ” نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها..” الحديث.

وكثيرًا ما كان يردد أبياتًا من منظومة الشيخ محمد سفر المدني صاحب رسالة الهدى:
وقول أعلام الهدى لا تعملوا
بقولنا في خلف نص يقبل
فيه دليل الأخذ بالحديث
وذاك في القديم والحديث
قال أبو حنيفة الإمام
لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالي حتى تعرضا
على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة
قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول
ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال إن رأيتم
قولي مخالفاً لم رويتم
من الحديث فاضربوا الجدار
بقولي المخالف الأخبارا
وأحمدٌ قال لهم لا تكتبوا
ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا
دينك لا تقلد الرجالا
حتى ترى أولاهما مقالا
فاسمع مقالات الهداة الأربعة
واعمل بها فإن فيها منفعة
لقمعها لكل ذي تعصب
والمنصفون يكتفون بالنبي

كما كان ينوي -رحمه الله- أن يجعل من مدرسة دار الحديث كلية للحديث لكن أدركه الأجل قبل أن تتحقق أمنيته”.

وقد خلص د. محمد عمر فلاته في دراسته إلى أن الشيخ الإفريقي أسهم في المسيرة التعليمية في المملكة العربية السعودية بعد توحيدها على يد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- من خلال:

  1. تحفيز شريحة كبيرة من العامة في المسجد النبوي الشريف ومسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في الرياض على طلب العلم الشرعي وتحصيله مساءً، وبذل الجهد في تقريب العلوم الشرعية إليهم، وذلك بالنحو الذي أسهم في محو الأمية الدينية لدى الكثيرين منهم، ولا سيما أولئك الذين شغلهم الانخراط في الأعمال المهنية والحرفية عن طلب العلم.
  2. نشر العقيدة الصحيحة بين رواد حلقة دروسه في المسجد النبوي من الطلاب والحجاج والزائرين، وإرشاد الحجاج ودلالتهم على مناسك الحج والعمرة وفق الكتاب والسنة، والرد على استفساراتهم الدينية المختلفة.
  3. نشر السنة النبوية المطهرة من واقع شرح وبيان مضامين الكتب المعتمدة عند المحدثين.
  4. التهيئة المبكرة للطلاب في مراحل التعليم العام في مدرسة دار الحديث ومعهد الرياض العلمي للتخصص في علم الحديث الشريف وأصوله، وتمكينهم من مواصلة دراسة العلوم الشرعية في المراحل الدراسية العليا.
  5. تأهيل عدد من طلاب العلم الشرعي المتميزين في الحديث النبوي الشريف وعلومه، وإكسابهم المهارات اللازمة في التعامل مع دواوين السنة النبوية، والاستفادة منها، ونقد المرويات الحديثية وتخريجها.
  6. تدريب الطلاب وتنمية مهاراتهم في البحث والحوار والمناظرة والاستدلال وترجيح النصوص، واستقراء الأدلة الشرعية، واستنباط الأحكام منها.
  7. تنمية المهارات الدعوية لدى الطلاب الوافدين من الدول الإسلامية المختلفة، وتزويدهم بالعلوم الشرعية اللازمة في تعليم الناس ما ينفعهم من أمور عباداتهم ومعاملاتهم.

وقد تزوَّج الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله- بالسيدة عائشة فلاتة، والسيدة خديجة بنت أحمد فلاتة، ورزق بأربعة أبناء هم: محمد، وأحمد، وحامد، ويوسف، وأربع بنات: أمينة، وحميدة، وميمونة، وأمامة.

فغفر الله له ورحمه وأسكنه فسيح جناته فقد كان في قصته حكمة وعبرة إذ كان في ذلك اليوم الذي أغضبه فيه مديره المستعمر الحاقد على الإسلام سببًا مباشرًا في تحوله من مجرد موظف بسيط في مصلحة الأرصاد الجوية إلى مهاجرٍ لمدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصبح واحدًا من العارفين بحديثه الشريف وخادمًا له.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 506
Share